وكذلك: ( وعاداً وثموداً وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيراً ){[2852]} .
«قوم عاد » هم قوم النّبي «هود » العظيم ،الذي بعث في منطقة ( الأحقاف ) أو ( اليمن ) .
و«قوم ثمود » قوم نبي الله «صالح » الذي بعث في منطقة وادي القرى ( بين المدينة والشام ) ،أمّا ما يتعلق بمسألة «أصحاب الرس » فسنبحثها في نهاية هذا البحث .
«قرون » جمع «قرن » وهي في الأصل بمعنى الجماعة الذين يعيشون معاً في زمان واحد ،ثمّ أطلقت على الزمان الطويل ( أربعين أو مائة سنة ) .
بحث:
من هم «أصحاب الرس »
كلمة «رسّ » في الأصل بمعنى الأثر القليل ،فيقال مثلا «رسّ الحديث في نفسي » ( قليل من حديثه في ذاكرتي ) أو يقال: وجد رسّاً من حمى » ( يعني: وجد قليلا من الحمّى في نفسه ){[2853]} .
وجماعة من المفسّرين اعتقدوا بأن «الرسّ » بمعنى البئر .
على أية حال فتسمية هؤلاء القوم بهذا الاسم ،إمّا لأنّ أثراً قليلا جداً بقي منهم ،أو لأنّهم كانت لهم آبار كثيرة ،أو لأنّهم هلكوا وزالوا بسبب جفاف آبارهم .
أمّا من هم هؤلاء القوم ؟هناك أقوال كثيرة بين المؤرخين والمفسّرين:
1يرى كثيرون أن «أصحاب الرس » كانوا طائفة تعيش في «اليمامة » وبعث لهم نبي اسمه «حنظلة » كذبوه وألقوه في بئر ،وذكروا أيضاً: إنّهم ملأوا هذا البئر بالرماح ،وأغلقوا فم البئر بعد إلقاء النّبي فيها بالحجارة حتى استشهد ذلك النبي{[2854]} .
2البعض الآخر يرى أن «أصحاب الرسّ » إشارة إلى قوم «شعيب » الذين كانوا يعبدون الأصنام ،وكانوا ذوي أغنام كثيرة وآبار ماء ،و«الرسّ » كان اسماً لبئر عظيم ،حيث أغاضه الله ،فأهلك أهل ذلك المكان .
3بعض آخر يعتقد أن «الرسّ » كانت قرية في أرض «اليمامة » حيث كان يعيش فيها جماعة من بقايا قوم ثمود ،فهلكوا نتيجة طغيانهم وغرورهم .
4وذهب آخرون أنّهم كانوا جماعة من العرب الماضين ،يعيشون{[2855]} بين الشام والحجاز .
5بعض التفاسير يعرّف «أصحاب الرسّ » من بقايا عاد وثمود ،ويعتبر ( وبئر معطلة وقصر مشيد ){[2856]} .متعلقة بهم أيضاً ،وذكر أن موطنهم في «حضرموت » واعتقد «الثعلبي » في «عرائس البيان » أن هذا القول هو الأكثر اعتباراً .
البعض الآخر من المفسّرين طبقوا «الرس » على «أرس » ( في شمال آذربيجان ) !
6العلامة الطبرسي في مجمع البيان ،والفخر الرازي في التّفسير الكبير ،والآلوسي في روح المعاني نقلوا من جملة الاحتمالات ،أنّهم قوم يعيشون في أنطاكية الشام ،وكان نبيهم «حبيب النجار » .
7في عيون أخبار الرضا ،نقل حديث طويل حول «أصحاب الرس » خلاصته: «إنّهم كانوا قوماً يعبدون شجرة صنوبر يقال لها ( شاه درخت ) كان يافث بن نوح غرسها بعد الطوفان على شفير عين يقال لها ( روشن آب ) وكان لهم اثنتا عشرة قرية معمورة على شاطئ نهر يقال له «الرسّ » ،يسمين بأسماء: آبان ،آذر ،دي ،بهمن أسفندار ،فرودين ،أُردي بهشت ،خرداد ،مرداد ،تير ،مهر ،شهريور ،ومنها اشتقّ العجم أسماء شهورهم .
وقد غرسوا في كل قرية منها من طلع تلك الصنوبرة حبّة .أجروا عليها نهراً من العين التي عند الصنوبرة ،وحرّموا شرب مائها على أنفسهم وأنعامهم ،ومن شرب منه قتلوه ،ويقولون: إنّه حياة الآلهة فلا ينبغي لأحد أن ينقص حياتها .وقد جعلوا في كل شهر من السنة يوماًفي كل قرية ،عيداً ،يخرجون فيه إلى الصنوبرة التي خارج القرية يقربون إليها القرابين ويذبحون الذبائح ثمّ يحرقونها في النار فيسجدون للشجرة عند ارتفاع دخانها وسطوعه في السماء ويبكون ويتضرعون ،و الشيطان يكلمهم من الشجرة .وكان هذا دأبهم في القرى حتى إذا كان يوم عيد قريتهم العظمى التي كان يسكنها ملكهم واسمها ( أسفندار ) اجتمع إليها أهل القرى جميعاً وعيّدوا اثني عشر يوماً ،وجاءوا بأكثر ما يستطيعونه من القرابين والعبادات للشجرة ،وكلّمهم إبليس وهو يعدهم ويمنيهم أكثر ممّا كان من الشياطين في سائر الأعياد من سائر الشجر .
ولما طال منهم الكفر بالله وعبادة الشجرة ،بعث الله إليهم رسولا من بني إسرائيل من ولد يهودا ،فدعاهم برهة إلى عبادة الله وترك الشرك ،فلم يؤمنوا ،فدعا على الشجرة فيبست ،فلما رأوا ذلك ساءهم ،فقال بعضهم: إنّ هذا الرجل سحر آلهتنا ،وقال آخرون: إنّ آلهتنا غضبت علينا بذلك لما رأت هذا الرجل يدعونا إلى الكفر بها فتركناه وشأنه من غير أن نغضب لآلهتنا .فاجتمعت آراؤهم على قتله فحفروا بئراً عميقاً وألقوه فيها ،وسدّوا فوهتها ،فلم يزالوا عليها يسمعون أنينه حتى مات ،فأتبعهم الله بعذاب شديد أهلكهم عن آخرهم »{[2857]} .
قرائن متعددة تؤيد مضمون هذا الحديث ،لأن مع وجود ذكر «أصحاب الرسّ » في مقابل عاد وثمود يكون احتمال أنّهم جماعة من هاتين الأُمتين بعيداً جداً .
كذلك ،فإنّ وجود هؤلاء القوم في الجزيرة العربية والشامات وتلك الحدودو هو الذي احتمله الكثيرونبعيد أيضاً ،ذلك لأنّه يجب أن يكون له انعكاس في تاريخ العرب بحسب العادة ،في الوقت الذي لم نر حتى انعكاساً ضئيلا لأصحاب الرس لديهم .
مضافاً إلى ذلك توافقه مع كثير من التفاسير الأُخرى ،من جملتها: أنّ «الرس » كان اسماً لبئر ( البئر التي ألقوا فيها نبيهم ) أو أنّهم كانوا أصحاب زراعة ومواشي وأمثال ذلك .
و ما ورد في رواية عن الإمام الصادق( عليه السلام ): أنّ نساءهم كن منحرفات جنسياً و يمارسن «المساحقة » لا منافاة له مع هذا الحديث أيضاً{[2858]}
و من عبارة ( نهج البلاغة ،الخطبة 180 ) يستفاد أنه كان لهم أكثر من نبيّ واحد فقط ،لأنّه( عليه السلام ) يقول: «أين أصحاب مدائن الرس الذين قتلوا النبيّين ،وأطفأوا سنن المرسلين ،وأحيوا سنن الجبارين !؟» .
و كلام أمير المؤمنين( عليه السلام ) هذا لا يتنافى مع الرواية أعلاه ،لأنّ من الممكن أن الرواية تشير إلى مقطع من تاريخهم وكان قد بعث نبي فيهم .
/خ40