{ وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} .
وعادا معطوفة على قوم نوح ، وعاد هم قوم هود الذين كفروا ، فأنزل الله بهم عذابه في الدنيا بريح فيه عذاب شديد ، كما قال تعالى:{ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 24 )} [ الأحقاف] .
وثمود هم قوم صالح أهلكوا بريح صرصر عاتية .
وأما أصحاب الرس ، فقد اختلفت الروايات عن السلف في تفسيرها أو من هم ، وأصل الرس كما قال الأصفهاني في مفرداته:الأثر القليل الموجود في الشيء يقال:سمعت رسا من خبر ، ورس الحديث في الحديث في نفسي ، أي أثره ، وروى أن الرس اسم لبئر ، وهكذا وردت روايات كثيرة عن أصحاب الرس ، وأحسن ما روى في ذلك روايتان هما أن أصحاب الرس وأصحاب الأيكة هم قوم شعيب الذين دعاهم إلى التوحيد ، ومبادئ الأخلاق ، وتنظيم المعاملة والعدالة في الكيل والميزان .
والثانية ما رواه ابن جرير واختاره ، وهم أصحاب الأخدود الذين هلكوا بإلقائهم في أخاديد ألقيت فيها النيران ، وأصحاب الأخدود الذين هلكوا هم الذين فعلوا بالمؤمنين ذلك كما جاء في سورة البروج في قوله:{ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ( 1 ) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ ( 2 ) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ( 3 ) قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ ( 4 ) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ ( 5 ) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ ( 6 ) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ( 7 ) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ( 8 )} .
وإن هؤلاء قد بلغوا أقصى غايات القسوة في معاملة المؤمنين ، وقد أخذهم الله تعالى أخذ عزيز مقتدر ، وذكرهم في هذه المناسبة ، لبيان عتوهم ، وأنهم قد انتقم منهم كما انتقم من فرعون ، وكما ينتقم من كل المشركين ، وإنا نميل إلى الرواية الأولى ، وهي أنهم قوم شعيب ، لأن سنة القرآن الكريم في قصصه أن يعرض قصة شعيب بعد عاد وثمود ، فبمقتضى هذا المنهاج القويم نميل إلى أنه سبحانه وتعالى أشار إلى قصة شعيب بهذه الإشارة .
الإشارة في قوله تعالى:{ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ} إلى الزمن الذي كان بين نوح وعاد وثمود وأصحاب الرس ، والقرن هو الجيل من الناس ، أي أن أجيالا بين هؤلاء الأنبياء كثيرا كانت فيها العبر ، ولكن قل المعتبر ، و{ كثيرا} وصف لمحذوف تقديره عدد ، أو وصف لقرون نفسها .