ثم أمر الله تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ الصدقات من هؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم ومن غيرهم، فقال:خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال:لما أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا لبابة وأصحابه جاءوا بأموالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا، واستغفر لنا، فقال:«ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا» .
فأنزل الله تعالى خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً.... الآية .
وقال الإمام ابن كثير:أمر الله تعالى- رسوله أن يأخذ من أموالهم صدقة يطهرهم ويزكيهم بها. وهذا عام وإن أعاد بعضهم الضمير في أموالهم إلى الذين اعترفوا بذنوبهم.
ولهذا اعتقد بعض مانعي الزكاة من أحياء العرب أن دفع الزكاة إلى الإمام لا يكون، وإنما كان هذا خاصا بالرسول صلى الله عليه وسلم ولهذا احتجوا بقوله:- تعالى-:خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً..... الآية.
وقد رد عليهم هذا التأويل والفهم الفاسد أبو بكر الصديق وسائر الصحابة، وقاتلوهم حتى أدوا الزكاة الى الخليفة كما كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قال الصديق:«والله لو منعونى عناقا كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه » .
والمعنى:خذ- أيها الرسول الكريم- من أموال هؤلاء المعترفين بذنوبهم، ومن غيرهم من أصحابك «صدقة» معينة، كالزكاة المفروضة، أو غير معينة كصدقة التطوع.
وقوله:تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها بيان للفوائد المترتبة على هذه الصدقة.
أى:من فوائد هذه الصدقة أنها تطهر النفوس من رذائل الشح والبخل والطمع.. وتزكى القلوب من الأخلاق الذميمة، وتنمى الأموال والحسنات قال بعضهم:قوله:«تطهرهم» قرئ مجزوما على أنه جواب للأمر. وقرئ. مرفوعا على أنه حال من ضمير المخاطب في قوله:«خذ» أو صفة لقوله «صدقة» والعائد على الأول محذوف ثقة بما بعده أى:تطهرهم بها ...
وقوله:«وتزكيهم» لم يقرأ إلا بإثبات الياء، على أنه خبر لمبتدأ محذوف، والجملة حال من الضمير في الأمر أو في جوابه. أى:وأنت تزكيهم بها.
هذا على قراءة الجزم في «تطهرهم» ، وأما على قراءة الرفع فيكون قوله «وتزكيهم بها» معطوف على قوله «تطهرهم» حالا أو صفة .
وقوله:وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم أى:وادع لهم بالرحمة والمغفرة، وقبول التوبة، فإن دعاءك لهم تسكن معه نفوسهم، وتطمئن به قلوبهم، ويجعلهم في ثقة من أن الله- تعالى- قد قبل توبتهم، فأنت رسوله الأمين، ونبيه الكريم.
فالمراد بالصلاة هنا:الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة.
قال بعضهم:«وظاهر» قوله:«وصل عليهم» أنه يجب على الإمام أو نائبه إذا أخذ الزكاة أن يدعو للمتصدق. وبهذا أخذ داود وأهل الظاهر.
وأما سائر الفقهاء فقد حملوا الأمر هنا على الندب والاستحباب، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ:«أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» ولم يأمره بالدعاء..
أما صيغة الدعاء فلم يرد فيها تعيين إلا ما رواه الستة- غير الترمذي من قوله صلى الله عليه وسلم «اللهم صل على آل أبى أوفى» - عند ما أخذ منهم الزكاة-.
ومن هنا قال الحنابلة وداود وأهل الظاهر لا مانع من أن يقول آخذ الزكاة:اللهم صل على آل فلان.
وقال باقى الأئمة لا يجوز أن يقال:اللهم صل على آل فلان، وإن ورد في الحديث، لأن الصلاة صارت مخصوصة في لسان السلف بالأنبياء- صلوات الله عليهم-، كما أن قولنا:
- عز وجل- صار مخصوصا بالله- تعالى-.
قالوا:وإنما أحدث الصلاة على غير الأنبياء مبتدعو الرافضة في بعض الأئمة، والتشبه بأهل البدع منهى عنه.
ولا خلاف في أنه يجوز أن يجعل غير الأنبياء تبعا لهم فيقال:اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته.. لأن السلف استعملوا ذلك، وأمرنا به في التشهد، ولأن الصلاة على التابع تعظيم للمتبوع..» .
وقوله:وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أى:سميع لاعترافهم بذنوبهم وسميع لدعائك سماع قبول وإجابة، وعليم بندمهم وتوبتهم، وبكل شيء في هذا الكون، وسيجازى كل إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب.