وقد كان أولئك التائبون المعترفون بذنوبهم يقدمون أموالهم تكفيرا عن ذنوبهم ، فأمر الله تعالى نبيه الأمين أن يأخذها فقال تعالى:( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم 103} .
يحسب بعض الكتاب في التفسير القرآني أن في هذا النص{ خذ من أموالهم صدقة} به فرضية الزكاة ، ونحسب أن الزكاة فرضت قبل ذلك ، وإنما هذه الصدقة المطلوبة من الصدقات التي تكفر المعاصي ، أو من المطلوبات التي تعم المفروض والمندوب ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الصدقة تطفئ الخطيئة ، كما يطفئ الماء النار"{[1275]} ولقد كان من بعض الخطائين الذين تخلفوا في تبوك من أراد التصدق بكل ماله تكفيرا عن خطئهم في التخلف وإحساسا بكبر ما ارتكبوا ، وقوله تعالى:{ تطهرهم} وهناك قراءة بسكون الطاء ، وعدم الإدغام في الهاء من أطهر والمعنى في القرائتين ان صدقة تطهر نفوسهم من شحها لان من تخلف محافظة علىأن الزمان كان زمان إثمار وإنتاج زراعي ، فالصدقة علاج الشح ، ومطهرة النفس منه ، وقوله تعالى:{ وتزكيهم} قال الزمخشري:إن التزكية تصح أن تكون بمعنى المبالغة في التطهير حتى تكون نفوسهم بتطهيرها نامية بسبب التطهير ، فتكون مشتملة على معنىالنماء ؛ لأن المبالغة في التطهير نمتها أو نمت النزوع إلى الفضائل فيها ، أو تقول:إن معنى التزكية من الرسول صلى الله عليه وسلم أي يصفهم بما يكون التزكية لهم وثناء عليهم ، أي يزكيهم صلى الله عليه وسلم بهذه الصدقات الطاهرة .
و{ من} في قوله تعالى:{ خذ من أموالهم} للتبعيض أي خذ بعض أموالهم ، وليس من المستحسن أن يأخذ كل المال ، بل يبقى لأهله ما يكفيهم بالمعروف ، والآثار الصحاح قد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان لا يستحسن الأكثر من الثلث ، فقد قال سعد بن بن أبي وقاص عندما استأذنه في الوصية قال صلى الله عليه وسلم "الثلث ، والثلث كثير ، إنك إن تدع أولادك أغنياء خير من أن تدعهم فقراء يتكففون الناس".
ومع هذه الصدقة التي أمره الله تعالى أن يأخذها منهم أمره سبحانه بأن يصلي عليهم ، فقال تعالى:{ وصل عليهم إن صلاتك} الضلاة هنا بمعنى الدعاء والاستغفار ، والتعدية ب( على ) للإشارة إلى أنها سابقة لهم فائضة بالخير عليهم نازلة بالبركات عليهم ، وقد ذكر الله سبحانه الغاية الواضحة من الصلاة وهي أنها{ سكن لهم} ، والسكن معناه الاطمئنان وقرار النفس ، وذلك الاطمئنان يكون بردا وسلاما عليهم ؛ لأنهم كانوا شاعرين بعظم جرمهم فيتوهمون بفرط إحساسهم وإيمانهم بأن ذنبهم غير مغتفر ، فصلاته صلى الله عليه وسلم اطمئنان لهم ، وقرار لنفوسهم ، ثم ختم الله تعالى الآية بقوله عز من قائل:{ والله سميع عليم} أي سمع اعترافهم المطهر لنفوسهم وندمهم على تخلفهم عليم بضمائرهم الطاهرة التي زادها الاعتراف طهارة ، واستحقوا تزكية النبي صلى الله عليه وسلم .