خذ من أموالهم صدقة ..وادعهم إلى العمل
وهذا حديثٌ لا يبتعد عن الأجواء العامة للسورة ،في ما يريد الله أن يثيره من الاستقامة على الخط المستقيم الذي يتحرك فيه المؤمنون ليعيشوا روح العطاء والتضحية في سبيل الله بالأموال والأنفس ،ليؤكد على الصدقات الواجبة ،كالزكاة ،في ما تعبّر عنه من مضمونٍ روحيٍّ يتصل بالواقع التربويّ الداخليّ للإنسان إلى جانب الواقع الاجتماعي .وذلك هو أسلوب الإسلام في عملية التغيير ،فهو يعمل على أن لا يتحوّل التشريع إلى مجرد تقليدٍ عاديٍّ ،تقتصر مهمته على الجانب المادي في سدّ حاجة المحرومين من الناس ،بل يريده حركةً تتصل بالعمق الروحيّ للإنسان ،ليتغيّر الوجه الخارجي للمجتمع من موقع تغيير الداخل ،ولهذا اعتبر الفقهاء الضرائب المالية كالزكاة ،عبادةً لا بد للإنسان من أن يقصد بها التقرب إلى الله ،كما هي الصلاة ،ما يوحي بأن الإسلام يؤكد على عباديّة العطاء ،كعملٍ يتحرك في الحياة الاجتماعية باسم الله .
الزكاة تطهير للنفس
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} في ما تمثله الصدقة من التغلّب على كل العوامل السلبيّة من الأنانية والإثرة والبخل والقسوة التي تمثل لوناً من ألوان القذارة الروحيّة التي يعيش فيها الإنسان المشاعر العفنة{وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} في ما توحي به من التخلص من حالة الجدب الروحي الذي يمنع الإنسان من النموّ في اتجاه السموّ والانطلاق ،ليحل محله الخصب الذي تخضرّ فيه المشاعر وتتنامى ،لتُبدع الإنسان الجديد في الخط الجديد{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أي ادع لهم بالرزق والطمأنينة والأمن من خلال ما تعطيه الصلاة من معنى الدعاء{إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} لأنَّها تمنحهم الشعور بالثقة في مواجهة كل عوامل الضعف التي تهزُّ الإنسان وتشدّه إلى الأرض ليخلد إليها ،لما يعيشونه من الإحساس بالقرب من الله الذي يتفضل عليهم بلطفه ورحمته وعفوه وغفرانه ،من خلال دعاء النبي لهم ،بما يمثله النبيّ من روحيّةٍ ساميةٍ متصلة بالله قريبةٍ إليه .وأيّ سكينةٍ أعظم من السكينة التي يعيشها الإنسان في رحاب الله من خلال رسوله ،حيث كل الحياة لله في الأفق الأعلى في أجواء القدس والملكوت ،{وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} يسمع الدعاء فيستجيب له ،ويعلم عمق الإخلاص في الإنسان ،فيرحمه ويعفو عنه ويشمله بلطفه ورضوانه .