أسباب النزول | المصدر |
---|---|
* سَبَبُ النُّزُولِ: 1 - أخرج مسلم والدارمي والبخاري وأبو داود والترمذي والنَّسَائِي وابن ماجه عن جابر بن عبد الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول فنزلتنِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ). 2 - أخرج أحمد والترمذي والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قال: جاء عمر إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله هلكت، قال: وما أهلكك؟ قال: حوّلت رحلي الليلة، قال: فلم يرد عليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئاً قال: فأوحي إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذه الآيةنِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة. 3 - أخرج النَّسَائِي عن أبي النضر أنه قال لنافع مولى عبد الله بن عمر: قد أكثر عليك القول أنك تقول عن ابن عمر: إنه أفتى بأن يؤتى النساء في أدبارهن، قال نافع: لقد كذبوا عليَّ، ولكني سأخبرك كيف كان الأمر: إن ابن عمر عرض المصحف يومًا وأنا عنده حتى بلغنِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) قال: يا نافع، هل تعلم ما أمر هذه الآية؟ إنا كنا معشر قريش نجبيءُ النساء، فلما دخلنا المدينة، ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن مثل ما كنا نريد من نسائنا، فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه وكانت نساء الأنصار إنما يؤتين على جنوبهن فأنزل الله تعالى(نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ). 4 - أخرج أبو داود عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قال: إن ابن عمر - والله يغفر له - أوهم، إنما كان هذا الحي من الأنصار - وهم أهل وثن - مع هذا الحي من يهود - وهم أهل كتاب - وكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم وكان من أمر أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحي من قريش يُشرِّحُون النساء شرحًا منكرًا، ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات، فلما قدم المهاجرون المدينة، تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه، وقالت: إنما كنا نُؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني حتى شري أمرهما فبلغ ذلك رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -(نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات، يعني بذلك موضع الولد. 5 - أخرج النَّسَائِي عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أن رجلاً أتى امرأته في دبرها في عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوجد من ذلك وجداً شديداً فأنزل الله تعالىنِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية، وقد ذكر جمهور المفسرين هذه الأحاديث على تفاوت بينهم في ذكر بعضها وترك بعضها، ومن هؤلاء الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور. قال السعدينِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) مقبلة ومدبرة، غير أنه لا يكون إلا في القبل، لكونه موضع الحرث، وهو الموضع الذي يكون منه الولد، وفيه دليل على تحريم الوطء في الدبر؛ لأن الله لم يبح إتيان المرأة إلا في الموضع الذي منه الحرث، وقد تكاثرت الأحاديث عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في تحريم ذلك ولعن فاعله) اهـ. فأما ما روى النَّسَائِي عن ابن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أن رجلاً أتى امرأته في دبرها في عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوجد من ذلك وجداً شديداً. ففيه علتان قويتان: الأولى: في إسناده، فقد أنكر أبو حاتم أن يكون هذا الإسناد المروي لهذا المتن بل له إسناد آخر غيره تبين تفصيله في الحاشية. الثانية: في متنه، فقد قال ابن القيمهذا غلط بلا شك، غلط فيه سليمان بن بلال، أو ابن أبي أويس راويه عنه، وانقلبت عليه لفظة (مِن) بلفظة (في) وإنما هو (أتى امرأته من دبرها) ولعل هذه هي قصة عمر بن الخطاب بعينها لما حوَّل رحله، ووجد من ذلك وجداً شديداً فقال لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هلكت، أو يكون بعض الرواة ظن أن ذلك هو الوطء في الدبر فرواه بالمعنى الذي ظنه) اهـ. وحينئذٍ ينحسر البحث في أربعة أحاديث، منها حديث النَّسَائِي عن أبي النضر في قصة نافع مع ابن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -. وهذا الحديث - والله أعلم - ليس سبب نزولها، وإن كان إسناده يحتمل التحسين لما روى أحمد والدارمي عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: إن الأنصار كانوا لا يُجبُّون النساء، وكانت اليهود تقول: إنه من جبَّى امرأته خرح ولده أحول، فلما قدم المهاجرون المدينة، نكحوا في نساء الأنصار، فجبّوهُن، فأبت امرأة أن تطيع زوجها، فقالت لزوجها: لن تفعل ذلك حتى آتي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدخلت على أم سلمة فذكرت ذلك لها، فقالت: اجلسي حتى يأتي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما جاء رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استحيت الأنصارية أن تسأله، فخرجت، فحدثت أمُّ سلمة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالادعي الأنصارية)، فدعيت فتلا عليها هذه الآيةنِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) صمامًا واحدًا. فسياق أم سلمة لهذا الحديث يقارب كثيرًا حديث ابن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - مما يشير إلى أن القصة في الحديثين واحدة، وهي في سياق أم سلمة أتم وأوفى كيف لا وقد وقعت في بيتها، وهي راويتها من غير واسطة، وقد أشار الحديث إلى حقيقتين هامتين: الأولى: أن حديث أم سلمة - رضي الله عنها - لم يتعرض للنزول أعني قولهفأنزل) وإنما فيه أنه تلا عليها الآية فقط، وهذا كالتذكير لها بحكم نازل سابق. وإذا كان الأمر كذلك فان قول ابن عمر: فأنزل الله تعالىنِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) إما أن يكون من تصرف الرواة، أو يكون من قول ابن عمر، ولم يرد به النزول المصطلح عليه، وإنما أراد أن لفظ الآية يتضمن حكم هذه المسألة، أو ربما ظن أنها نزلت بسبب ذلك وليس الأمر كذلك. الثانية: أن أم سلمة - رضي الله عنها - ذكرت في حديثها قول اليهود: من جبّى خرج ولده أحول، وهذا يدل على أن أصل الإشكال عند الأنصار ناشئ من اعتقاد اليهود في ذلك. أما حديث ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - عند أبي داود في توهيمه لابن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - فالجواب عنه كالجواب عما رواه النَّسَائِي عن نافع عن ابن عمر سواء بسواء، لأن شأن الحديثين واحد لوجهين: الأول: أن في حديث ابن عبَّاسٍ قالت: إنما كنا نُؤتى على حرف، وفي حديث ابن عمر: وكانت نساء الأنصار إنما يؤتين على جنوبهن. الثاني: أن في حديث ابن عبَّاسٍ: أن الأنصار يقتدون بأهل الكتاب، وفي حديث ابن عمر: فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه، وسبب الكراهة والتعظيم اقتداؤهم بأهل الكتاب كما أشار إلى ذلك حديث أم سلمة - رضي الله عنها - وحينئذٍ يؤول الحديثان إلى حديث أم سلمة وقد وقعت القصة في بيتها وخلا لفظها من النزول، والله أعلم. وهنا ينحسر البحث في حديثي جابر، وابن عبَّاسٍ في قصة عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - فأيهما السبب؟ فيقال: المقدم في سبب النزول هو حديث جابر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لصحة إسناده، وكثرة رواته، وحديث ابن عبَّاسٍ في قصة عمر ضعيف لا يداني حديث جابر، فضلاً عن أن ينازعه السببية. وعلى فرض صحته يقال: إن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ممن تأثر بقول اليهود، فلهذا قال: هلكت، ووجه تأثره: أنه قرشي، والقرشيون لم يكونوا يستنكرون التجبية كما دلت الأحاديث المتقدمة على ذلك، فلما سمع بقول اليهود تأثر به، فلما وقع منه ذلك خشي الهلاك فسأل فنزلت الآية ردًا على يهود فيما زعموا، وتطميناً لعمر ومن فعل فعله. والله أعلم. * النتيجة: أن سبب نزول هذه الآية الكريمة حديث جابر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فيما زعمه اليهود أن الرجل إذا أتى امرأته من دبرها في قُبلها كان الولد أحول لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، وعدم المعارض والله أعلم. ' | لباب النقول |