أسباب النزول | المصدر |
---|---|
* سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج البخاري وأبو داود والترمذي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء، فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم، فلما قدما بتركته فقدوا جاماً من فضة مُخوَّصاً من ذهب فأحلفهما رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم وجد الجامُ بمكة، فقالوا ابتعناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أوليائه فحلفالشهادتنا أحق من شهادتهما، وإن الجام لصاحبهم قال: وفيهم نزلت هذه الآيةيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث ومثله معه منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والسعدي وابن عاشور.قال ابن عطيةلا نعلم خلافًا أن سبب هذه الآية أن تميماً الداري وعدي بن بداء كانا نصرانيين.) اهـ ثم ساق الحديث.وقال القرطبيولا أعلم خلافاً أن هذه الآيات نزلت بسبب تميم الداري وعدي بن بداء) اهـ.وقال السعديوهذه الآيات الكريمة، نزلت في قصة تميم الداري، وعدي بن بداء المشهورة حين أوصى لهما العدوي والله أعلم) اهـ.وقال ابن عاشوروقد حدثت في آخر حياة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حادثة كانت سبباً في نزول هذه الآية وذكر كلامًا إلى أن قال: ذلك أنه كان في سنة تسع من الهجرة نزلت قضية وهي أن رجلين أحدهما تميم الداري والآخر عدي بن بداء.وحيث إن السبب المذكور معنا مختصر لا يتحقق بقراءته فهم القصة فإني سأذكر القصة كما سردها الطاهر بن عاشور في تفسيره فقال: ذلك أنه كان في سنة تسع من الهجرة نزلت قضية: هي أن رجلين أحدهما تميم الداري اللخمي، والآخر عدي بن بداء، كانا من نصارى العرب تاجرين، وهما من أهل دارين، وكانا يتجران بين الشام، ومكة، والمدينة. فخرج معهما من المدينة بُديل بن أبي مريم مولى بني سهم - وكان مسلماً - بتجارة إلى الشام، فمرض بديل (قيل في الشام وقيل في الطريق براً أو بحراً) وكان معه في أمتعته جام من فضة مخوَّص بالذهب قاصداً به ملك الشام، فلما اشتد مرضه أخذ صحيفة فكتب فيها ما عنده من المتاع والمال ودسَّها في مطاوي أمتعته ودفع ما معه إلى تميم وعدي وأوصاهما بأن يبلّغاه مواليَه من بني سهم، وكان بديل مولى للعاصي بن وائلٍ السهمي، فولاؤه بعد موته لابنه عمرو بن العاص.وبعض المفسرين يقول: إن ولاء بُديل لعمرو ابن العاصي والمطلب بن وداعة، ويؤيد قولهم أن المطلب حلف مع عمرو بن العاصي على أن الجام لبديل بن أبي مريم. فلما رجعا باعا الجام بمكة بألف درهم ورجعا إلى المدينة فدفعا ما لبديل إلى مواليه. فلما نشروه وجدوا الصحيفة فقالوا لتميم وعدي: أين الجام فأنكرا أن يكون دفع إليهما جامًا. ثم وجد الجام بعد مدة يباع بمكة فقام عمرو بن العاصي والمطلب بن أبي وداعة على الذي عنده الجام فقال: إنه ابتاعه من تميم وعدي.وفي رواية أن تميماً لما أسلم في سنة تسع تأثم مما صنع فأخبر عمرو بن العاصي بخبر الجام ودفع إليه الخمسمائة درهم الصائرة إليه من ثمنه، وطالب عمرو عدياً ببقية الثمن فأنكر أن يكون باعه. وهذا أمثل ما روي في سبب نزول هذه الآية ... إلى أن قال: واتفقت الروايات على أن الفريقين تقاضوا في ذلك إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونزلت هذه الآية في ذلك، فحلف عمرو بن العاصي والمطلب بن أبي وداعة على أن تميمًا وعديًا أخفيا الجام، وأن بُديلاً صاحبه وما باعه ولا خرج من يده، ودفع لهما عدي خمسمائة درهم وهو يومئذ نصراني) اهـ. ولأن الآيات النازلة على هذا السبب لا يتأتى معرفة تفسيرها لكل أحد فسأذكر تفسيرها نقلاً من تفسير السعدي - رحمه الله - حيث قال:(يخبر تعالى خبرًا متضمنًا للأمر بإشهاد اثنين على الوصية إذا حضر الإنسان مقدمات الموت وعلائمه، فينبغي له أن يكتب وصيته ويُشهد عليها (اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ) ممن تعتبر شهادتهما، (أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) أي: من غير أهل دينكم من اليهود أو النصارى أو غيرهم، وذلك عند الحاجة والضرورة وعدم غيرهما من المسلمين، (إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) أي سافرتم فيها، (فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ) أي: فأشهدوهما ولم يأمر بإشهادهما إلا لأن قولهما في تلك الحال مقبول ويؤكد عليهما، أن يحبسا من بعد الصلاة التي يعظمونها، (فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ) أنهما صدقا وما غيرا وما بدلا هذا (إِنِ ارْتَبْتُمْ) في شهادتهما، فإن صدقتموهما فلا حاجة إلى القسم بذلك.ويقولانلَا نَشْتَرِي بِهِ) أي بأيماننا (ثَمَنًا) بأن نكذب فيها لأجل عرض من الدنيا (وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) فلا نراعيه لأجل قربه منا (وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللهِ) بل نؤديها على ما سمعناها (إِنَّا إِذًا) أي إن كتمناها (لَمِنَ الْآثِمِينَ).(فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا) أي الشاهدين (اسْتَحَقَّا إِثْمًا) بأن وجد من القرآن ما يدل على كذبهما، وأنهما خانا (فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ) أي: فليقم رجلان من أولياء الميت، وليكونا من أقرب الأولياء إليه (فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا) أي: أنهما كذبا وغيَّرا وخانا، (وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ) أي: إن ظلمنا واعتدينا وشهدنا بغير الحق.قال الله تعالى في بيان حكمة تلك الشهادة وتأكيدها وردها على أولياء الميت حين تظهر من الشاهدين الخيانةذَلِكَ أَدْنَى) أي أقرب (أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا) حين تؤكد عليهما تلك التأكيدات (أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ) أي: أن لا تقبل أيمانهم ثم ترد على أولياء الميت (وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) أي الذين وصفهم الفسق فلا يريدون الهدى والقصد إلى الصراط المستقيم.وحاصل هذا أن الميت - إذا حضره الموت في سفر ونحوه، مما هو مظنة قلة الشهود المعتبرين - أنه ينبغي أن يوصي شاهدين مسلمين عدلين، فإن لم يجد إلا شاهدين كافرين جاز أن يوصي إليهما. ولكن لأجل كفرهما فإن الأولياء إذا ارتابوا بهما فإنهم يحلفونهما بعد الصلاة أنهما ما خانا، ولا كذبا، ولا غيرا، ولا بدَّلا فيبرآن بذلك من حق يتوجه إليهما.فإن لم يصدقوهما ووجدوا قرينة تدل على كذب الشاهدين فإن شاء أولياء الميت فليقم منهم اثنان فيقسمان بالله: لشهادتنا أحق من شهادة الشاهدين الأولين وأنهما خانا وكذبا فيستحقون منهما ما يدّعون) اهـ. * النتيجة: أن سبب النزول المذكور في قصة تميم الداري وعدي بن بداء كان سبباً لنزول الآيات الكريمات وذلك لصحة إسناده، وموافقة سياقه لظاهر الآية واحتجاج المفسرين به وتعويلهم عليه والله أعلم.' | لباب النقول |