أسباب النزول | المصدر |
---|---|
* سَبَبُ النُّزُولِ: 1 - أخرج مسلم وأحمد عن سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: وأتيت على نفر من الأنصار والمهاجرين. فقالوا: تعال نطعمك ونسقيك خمراً. وذلك قبل أن تحرم الخمر. قال: فأتيتهم في حَشٍّ - والحَشُّ البستان - فإذا رأس جزورٍ مشوي عندهم، وزِقٌّ من خمر. قال: فأكلت وشربت معهم. قال فذُكِرتِ الأنصار والمهاجرون عندهم. فقلت: المهاجرون خير من الأنصار. قال: فأخذ رجل أحد لحي الرأس فضربني به فجرح بأنفي. فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته. فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ - فيَّ - يعني نفسه - شأن الخمرإِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ).وفي رواية لمسلم: فضرب به أنف سعد ففزره وكان أنف سعد مفزورًا. 2 - أخرج النَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قال: نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار، شربوا حتى إذا نهِلُوا عبث بعضهم ببعض، فلما صحوا، جعل الرجل يرى الأثر بوجهه وبرأسه وبلحيته فيقول: قد فعل بي هذا أخي - وكانوا إخوةً ليس في قلوبهم ضغائن - والله لو كان بي رءوفاً رحيماً ما فعل بي هذا، فوقعت في قلوبهم الضغائن، فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) إلى قولهفَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) فقال ناس: هي رجس، وهي في بطن فلان قتل يوم بدر، وفلان قتل يوم أحد فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ).3 - أخرج أحمد عن أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: حُرمت الخمرُ ثلاث مرات قدم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر فسألوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنهما فأنزل الله تعالى على نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) فقال الناس: ما حُرِّم علينا، إنما قالقُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) وكانوا يشربون الخمر.حتى إذا كان يوم من الأيام، صلى رجل من المهاجرين، أمَّ أصحابه في المغرب، خلط في قراءته، فأنزل الله فيها آيةً أغلظ منهايَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) وكان الناس يشربون حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مفيق. ثم نزلت آية أغلظ من ذلكيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فقالوا: انتهينا ربنا، فقال الناس: يا رسول الله، ناس قتلوا في سبيل الله، وماتوا على فرشهم، كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر وقد جعله الله رجساً من عمل الشيطان فأنزل اللهلَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا) فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -لو حُرمت عليهم لتركوها كما تركتم).4 - أخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنَّسَائِي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: لما نزل تحريم الخمر، قال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شفاءً فنزلت هذه الآية التي في البقرةيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ)، قال: فدعي عمر، فقرئت عليه فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شفاءً فنزلت الآية التي في النساءيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى)، فكان منادي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أقام الصلاة نادى: أن لا يقربنَّ الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شفاءً. فنزلت الآية التي في المائدة فدعي عمر فقرئت عليه، فلما بلغ (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) قال: فقال عمر: انتهينا انتهينا. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة وقد أورد بعض المفسرين جميع هذه الأحاديث واقتصر بعضهم على بعضها سرداً ورواية، ومن هؤلاء الطبري، والبغوي، وابن العربي، وابن عطية، والقرطبي، وابن كثير، وابن عاشور. وحينئذٍ لا بد من النظر والترجيح بين هذه الأحاديث فأقول:أما حديث عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فليس سبباً في نزولها، وقد تقدم بيان هذا عند الآيتين في سورة البقرة والنساء، إلا أن يقال إن دعاء عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - سبب غير مباشر لحصول البيان الشافي، وهذا ليس بسبب ظاهر في نزولها.أما حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فلا تقوم به حجة على نزولها بسبب ضعفه.يبقى النظر في حديث سعد - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وضرب الأنصاري له بلحي الجمل عندما شربا الخمر، وحديث ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - في اقتتال القبيلتين من الأنصار حين شربوا الخمر.أما حديث سعد فإسناده ثابت لأنه في مسلم، وسياق الحديث يوافق الآية الكريمة ي قولهإِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) وهذا قد حصل فقد ضُرب سعد حتى فزر أنفه، ولا يخفى أثر مثل هذا التصرف على أحد ثم قوله: فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته فأنزل فيَّ شأن الخمر.يؤكد حجية حديثه في شأن نزول الآية.أما حديث ابن عبَّاسٍ في شأن اقتتال القبيلتين فإسناده حسن، وسياق الحديث يوافق الآية الكريمة، ولهذا لما أفاقوا من شربها، وجعل الرجل يرى الأثر بوجهه ورأسه ولحيته ويقول: قد فعل بي هذا أخي، والله لو كان بي رءوفًا رحيماً ما فعل بي هذا فوقعت في قلوبهم الضغائن، وهذا الذي يريده الشيطان.فإن قال قائل: ما الجمع بين الحديثين، أو الراجح منهما؟ فالجواب من وجوه:الأول: أن القصتين وقعتا في زمن واحد فنزلت الآية تتحدث عنهما جميعاً. ويجاب عن قول سعد (فيَّ - يعني نفسه) لأنه لم يعلم بفعل غيره.الثاني: أن قول ابن عبَّاسٍ: نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار، فيه وهم وأن إحداهما من الأنصار والأخرى من المهاجرين وحينئذٍ يوافق حديث سعد فقد جاء فيه وأتيت على نفر من الأنصار والمهاجرين ... إلى أن قال: فذُكرت الأنصار والمهاجرون عندهم، وإذا كان الأمر كذلك صبَّ الحديثان في نهر واحد.الجواب الثالث: أن المقدم في السببية حديث سعد لقوة إسناده ولا ريب أن ما رواه أحد الشيخين قرينة من قرائن الترجيح عند العلماء في الاحتجاج به على ما رواه غيرهما. * النتيجة: أن سبب نزول الآية قصة سعد - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لصحة سند الحديث وتصريحه بالنزول وكونه صاحب القصة والله أعلم.' | لباب النقول |