أسباب النزول | المصدر |
---|---|
* سَبَبُ النُّزُولِ: 1 - أخرج مسلم والنَّسَائِي وابن ماجه عن سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال كنا مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ستة نفر فقال المشركون للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، قال: وكنتُ أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما شاء الله أن يقع. فحدث نفسه. فأنزل الله - عزَّ وجلَّ -وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ). وأخرج أحمد نحوه من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وزاد ونزل فيهم القرآن (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ) إلى قولهوَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ). 2 - وأخرج ابن ماجه عن خباب في قولهوَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ) إلى قولهفَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري، فوجدوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع صهيب وبلال وعمار وخباب قاعداً في ناس من الضعفاء من المؤمنين، فلما رأوهم حول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حقروهم فأتوه فخلوا به وقالوا: إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف لنا به العربُ فضلنا فإن وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا العرب مع هذه الأَعبد، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنك فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت. قالنعم) قالوا: فاكتب لنا عليك كتاباً، قال: فدعا بصحيفة، ودعا علياً ليكتب، ونحن قعود في ناحية فنزل جبرائيل - عليه السلام - فقالوَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ). ثم ذكر الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن فقالوَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ). ثم قالوَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ).قال: فدنونا منه حتى وضعنا رُكَبنا على ركبته. وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجلس معنا فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا. فأنزل اللهوَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ) (ولا تجالس الأشراف) (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا) (يعني عيينة والأقرع) (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (قال هلاكاً) قال: أمر عيينة والأقرع. ثم ضرب لهم مثل الرجلين ومثل الحياة الدنيا.قال خباب: فكنا نقعد مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإذا بلغنا الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمات وقد أورد القرطبي وابن عاشور هذين الحديثين، وسائر المفسرين أوردوا حديث خباب وابن مسعود - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.قال الطبريذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سبب جماعة من ضعفاء المسلمين قال المشركون له: لو طردت هؤلاء عنك لغشيناك وحضرنا مجلسك) اهـ.قال ابن عطيةوسبب الآية أن الكفار قال بعضهم للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحن لشرفنا وأقدارنا لا يمكننا أن نختلط بهؤلاء فلو طردتهم لاتبعناك وجالسناك) اهـ. وقال القرطبيقال المشركون: ولا نرضى بمجالسة أمثال هؤلاء - يعنون سلمان وصهيباً وبلالاً وخبّابًا - فاطردهم عنك، وطلبوا أن يكتب لهم بذلك فهمَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك، ودعا علياً ليكتب فقام الفقراء وجلسوا ناحية فأنزل الله الآية. ولهذا أشار سعد بقوله في الحديث الصحيح: فوقع في نفس رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما شاء الله أن يقع) اهـ.وقال السعديوكان سبب نزول هذه الآيات أن أُناسًا من قريش أو من أجلاف العرب، قالوا للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن أردت أن نؤمن لك ونتبعك فاطرد فلاناً وفلانًا أناساً من فقراء الصحابة فإنا نستحي أن ترانا العرب جالسين مع هؤلاء الفقراء فحمله حبه لإسلامهم، واتباعهم له فحدثته نفسه بذلك فعاتبه الله بهذه الآية ونحوها) اهـ.وقال ابن عاشوروالمعنى أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحرصه على إيمان عظماء قريش ليكونوا قدوة لقومهم ولعلمه بأن أصحابه يحرصون حرصه ولا يوحشهم أن يقاموا من المجلس إذا حضره عظماء قريش لأنهم آمنوا يريدون وجه الله لا للرياء والسمعة ولكن الله نهاه عن ذلك وسماه طرداً تأكيداً لمعنى النهي، وذلك لحكمة وهي كانت أرجح من الطمع في إيمان أولئك لأن الله اطلع على سرائرهم فعلم أنهم لا يؤمنون، وأراد الله أن يظهر استغناء دينه ورسوله عن الاعتزاز بأولئك الطغاة القساة، وليظهر لهم أن أولئك الضعفاء خير منهم وأن الحرص على قربهم من الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أولى من الحرص على قرب المشركين) اهـ. وبعد نقل أقوال العلماء في سبب نزول الآيات الكريمة أقول: إن حديث خباب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لا يصح أن يكون سبباً لنزول الآيات لاعتلال إسناده المفصل في موضعه وغرابة متنه أيضاً فقد قال ابن عطية لما ذكر حديث خبابوهذا تأويل بعيد في نزول الآية؛ لأن الآية مكية وهؤلاء الأشراف لم يفدوا إلا في المدينة، وقد يمكن أن يقع هذا القول منهم، ولكنه إن كان وقع فبعد نزول الآية بمدة اللهم إلا أن تكون الآية مدنية) اهـ.وقال ابن كثير عن حديث خبابوهذا حديث غريب، فإن هذه الآية مكية والأقرع ابن حابس وعيينة إنما أسلما بعد الهجرة بدهر) اهـ.وقال ابن عاشور معلقاً على قول ابن عطيةولعل ذلك وقع منهما فأجابهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذه الآية التي نزلت في نظير اقتراحهما) اهـ. وبهذا يتبين أن حديث خباب ليس سبب نزولها وإن انفككنا عن علة السند فغرابة المتن لا جواب عنها. وإذا كان الأمر كذلك لم يبق إلا حديث سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - السالم من المعارضات في إسناده ومتنه، فالإسناد صحيح، والمتن صريح يتفق مع ظاهر السياق القرآني. * النتيجة: أن سبب نزول هذه الآيات حديث سعد - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لصحة إسناده، وموافقته للفظ الآية، وتصريحه بالنزول، واحتجاج المفسرين به مع عدم المعارض الراجح والله أعلم.' | لباب النقول |