قوله تعالى : { إِنَّ الله ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } . الصلاة من الله هي الرحمة ومن العباد الدعاء ، وقد تقدم ذكره . ورُوي عن أبي العالية : { إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ } قال : " صلاة الله عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة عليه بالدعاء " . قال أبو بكر : يعني والله أعلم إخبار الله الملائكة برحمته لنبيه صلى الله عليه وسلم وتمام نِعَمِهِ عَليه ، فهو معنى قوله صلاته عند الملائكة . ورُوي عن الحسن : هو الذي يصلّي عليكم وملائكته ، أن بني إسرائيل سألوا موسى عليه السلام : هل يصلّي ربك ؟ فكأن ذلك كبر في صدره ، فأوحى الله إليه أن أخبرهم أني أصلي وأن صلاتي أن رحمتي سبقت غضبي .
وقوله : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ } قد تضمن الأمْرَ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وظاهره يقتضي الوجوب ، وهو فرض عندنا ، فمتى فعلها الإنسان مرة واحدة في صلاة أو غير صلاة فقد أدَّى فرضه ، وهو مثل كلمة التوحيد والتصديق بالنبي صلى الله عليه وسلم متى فعله الإنسان مرة واحدة في عمره فقد أدَّى فرضه . وزعم الشافعي أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فَرْضٌ في الصلاة ؛ وهذا قول لم يسبقه إليه أحد من أهل العلم فيما نعلمه ، وهو خلاف الآثار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم لفرضها في الصلاة ، منها حديث ابن مسعود حين علّمه التشهد فقال : " إِذَا فَعَلْتَ هَذَا أَوْ قُلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلاتُكَ فإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ " وقوله : " ثمَّ اخْتَرْ مِنْ أَطْيَبِ الكَلاَمِ ما شِئْتَ " ؛ وحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إِذا رَفَعَ الرَّجُلُ رَأْسَهُ مِنْ آخِرِ سَجْدَةٍ وقَعَدَ فأَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّم فقَدْ تَمَّتْ صَلاتَهُ " ؛ وحديث معاوية بن الحكم السلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ صَلاتَنَا هَذِهِ لا يَصْلُحُ فيها شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ إنّما هي التَّسْبِيحُ والتَّهْلِيلُ وقِرَاءَةُ القُرْآنِ " ، ولم يذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم . وقد استقصينا الكلام في هذه المسألة في شرح مختصر الطحاوي .
وقوله : { وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } يحتج به أصحاب الشافعي في إيجاب فرض السلام في آخر الصلاة . ولا دلالة فيه على ما ذكروا لأنه لم يذكر الصلاة ، فهو على نحو ما ذكرنا في الصلاة عليه . ويحتجّون به أيضاً في فرض التشهد ؛ لأن فيه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم . ولا دلالة فيه على ما ذهبوا إليه ، إذ لم يذكر السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل أن يريد به تأكيد الفرض في الصلاة عليه بتسليمهم لأمر الله إياهم بها كقوله : { ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً } [ النساء : 65 ] . قال أبو بكر : قد ذكر الله تعالى في كتابه اسْمَهُ وذكر نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم ، فأفرد نفسه بالذكر ولم يجمع الاسمين تحت كناية واحدة ، نحو قوله : { والله ورسوله أحق أن يرضوه } [ التوبة : 62 ] . ولم يقل يرضوهما ؛ لأن اسم الله واسم غيره لا يجتمعان في كناية . ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب بين يديه رجل فقال : من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " قُمْ فبِئْسَ خَطِيبُ القَوْمِ أَنْتَ " لقوله : ومن يعصهما .
فإن قيل : فقد قال الله تعالى : { إن الله وملائكته يصلون على النبي } [ الأحزاب : 56 ] فجمع اسمه واسم ملائكته في الضمير . قيل له : إنما أنكرنا جمعهما في كناية يكون اسماً لهما نحو الهاء التي هي كناية عن الاسم ، فأما الفعل الذي ليس باسم ولا كناية عنه وإنما فيه الضمير فلا يمتنع ذلك فيه ؛ وقد قيل أيضاً في هذا الموضع إن قوله : { يصلون } [ الأحزاب : 56 ] ضمير الملائكة دون اسم الله تعالى ، وصلاة الله على النبي مفهومة من الآية من جهة المعنى كقوله : { انفضوا إليها } [ الجمعة : 11 ] ردّ الكناية إلى التجارة دون اللهو لأنه مفهوم من جهة المعنى ، وكذلك قوله : { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله } [ التوبة : 34 ] المذكور في ضمير النفقة هو الفضة والذهب مفهومٌ من جهة المعنى .