قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَي عَشَرَ نَقِيباً } قد اختُلف في المراد بالنقيب ههنا ، فقال الحسن : " الضمين " . وقال الربيع بن أنس : " الأمين " . وقال قتادة : " الشهيد على قومه " . وقيل إن أصل النقيب مأخوذ من النّقْبِ وهو الثقب الواسع ، فقيل نقيب القوم لأنه ينقب على أحوالهم وعن مكنون ضمائرهم وأسرارهم ، فسُمّي رئيس العرفاء نقيباً لهذا المعنى . وأما قول الحسن إنه الضمين ، فإنما أراد به أنه الضمين لتعرُّف أحوالهم وأمورهم وصلاحهم وفسادهم واستقامتهم وعدولهم ليرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الأنصار اثني عشر نقيباً على هذا المعنى . وقول الربيع بن أنس إنه الأمين ، وقول قتادة إنه الشهيد ، يقارب ما قال الحسن أيضاً ؛ لأنه أمينٌ عليهم وشهيدٌ بما يعملون به ويجري عليهم أمورهم . وإنما نَقَّبَ النبي صلى الله عليه وسلم النقباء لشيئين : أحدهما لمراعاة أحوالهم وأمورهم وإعلامها النبي صلى الله عليه وسلم ليَدَّبَّرَ فيهم بما يرى . والثاني : أنهم إذا علموا أن عليهم نقيباً كانوا أقرب إلى الاستقامة ، إذ علموا أن أخبارهم تنتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأن كل واحد منهم يحتشم مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم فيما يَنُوبُهُ ويَعْرِضُ له من الحوائج قبله ، فيقوم عنه النقيب فيه . وليس يجوز أن يكون النقيب ضامناً عنهم الوفاء بالعهد والميثاق ؛ لأن ذلك معنى لا يصح ضمانه ولا يمكن الضمين فعله ولا القيام به ، فعلمنا أنه على المعنى الأولى .
وفي هذه الآية دلالةٌ على قبول خبر الواحد ؛ لأن نقيب كلّ قوم إنما نُصِبَ ليعرِّفَ أحوالَهُمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أو الإمامَ ، فلولا أن خبره مقبولٌ لما كان لنصبه وجه . فإن قيل : إنما يدل ذلك على قبول خبر الاثني عشر دون الواحد . قيل له : إن الاثني عشر لم يكونوا نقباء على جميع بني إسرائيل بجملتهم ، وإنما كان كل واحد منهم نقيباً على قومه خاصة دون الآخرين .