قوله تعالى : { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ } من دلائل النبوّة ؛ لأنه أخبر بذلك والمسلمون في ضعف وقلة وحال خوف مستذلّون مقهورون ، فكان مخبره على ما أخبر به ؛ لأن الأديان التي كانت في ذلك الزمان اليهودية والنصرانية والمجوسية والصابئة وعبّاد الأصنام من السِّنْدِ وغيرهم ، فلم تَبْقَ من أهل هذه الأديان أمّةٌ إلا وقد ظهر عليهم المسلمون فقهروهم وغلبوهم على جميع بلادهم أو بعضها وشرّدوهم إلى أقاصي بلادهم ، فهذا هو مصداق هذه الآية التي وعد الله تعالى رسوله فيها إظهاره على جميع الأديان ؛ وقد علمنا أن الغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل ولا يوحي به إلا إلى رسله ، فهذه دلالة واضحة على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .
فإن قيل : كيف يكون ذلك إظهاراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم على جميع الأديان وإنما حدث بعد موته ؟ قيل له : إنما وعد الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يظهر دينه على سائر الأديان لأنه قال : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ } يعني دين الحق ، وعلى أنه لو أراد رسوله لكان مستقيماً ؛ لأنه إذا أظهر دينه ومن آمن به على سائر الأديان فجائز أن يقال قد أظهر نبيه صلى الله عليه وسلم ، كما أن جيشاً لو فتحوا بلداً عنوة جاز أن يقال إن الخليفة فتحه وإن لم يشهد القتال ، إذْ كان بأمره وتجهيزه للجيش فعلوا .