وقوله تعالى : { الّذِينَ إذا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إنّا للهِ } [ 156 ] : يعني إقرارهم بالعبودية في تلك الحالة بتفويض الأمور إليه ، والرضا بقضائه فيما يبتليهم به ، وأنه لا يقضي إلا بالحق ، كما قال تعالى :{ واللهُ يَقْضِي بالحَقِّ والذينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ }{[71]} .
وقوله : { وإنا إليه رَاجِعُون } : إقرار بالبعث ، وأن الله تعالى يجزي الصابرين على قدر استحقاقهم .
ثم الصبر على جهات مختلفة : فما كان على فعل الله تعالى فهو بالتسليم والرضا ، وما كان من فعل العدو فهو بالصبر على جهادهم ، والثبات على دين الله تعالى لما يصبهم من ذلك ، ونبهت الآية على فرح الصابرين وما في الصبر من تسلية عن الهم ونفي الجزع ، وفيه صبر على أن الفرائض لا يثنيه عنها مصاعب الدنيا و شدائدها . . .
وفي التلفظ بقوله تعالى : { إنّا للهِ وإنّا إليهِ رَاجِعُون } : غيظ الأعداء لعلمهم بجده واجتهاده ، ويقتدي به غيره إذا سمعه ، وربما ترقى الأمر بالصابر المفكر في الدنيا إلى أن - لا يحب - البقاء فيها وهو الزهد في الدنيا ، والرضا بفعل الله تعالى عالماً بأنه صدر من عند من لا يتهم عدله ولا يصدر عن غير الحكمة فعله وأنه لا يجوز أن يفوته ما قد قدر لحوقه به ، ومن علم أن لكل مصيبة ثواباً فينبغي أن لا يحزن لها .