. . . فالأول في ( بسم الله الرحمن الرحيم ) وما فيه من الضمير ، فإن فيه ضمير فعل لا يستغني الكلام عنه ؛ لأن الباء من سائر حروف الجر لا بد أن يتصل بفعل ، إما مظهر مذكور ، وإما مضمر محذوف .
والمضمر في هذا الموضع إما أن يكون خبرا أو أمرا .
فإذا كان خبرا فمعناه : أبدأ بسم الله ، ودل الكلام على هذا الضمير ؛ لأن القارئ مبتدئ ، والحال المشاهدة منبئة عنه ، ومغنية عن ذكره .
ومعنى الأمر : ابدءوا بسم الله .
ودل على الأمر قوله تعالى في موضع آخر ( اقرأ بسم ربك ){[11]} .
ويحتمل أن يكون أرادهما بالضمير ؛ لأن الضمير يحتملهما ، ولو صرح بأحدهما امتنعت إرادة الآخر .
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " {[10]} ، فإن الحكم لما تعلق بضمير يحتمل رفع الحكم رأسا{[11]} ، ويحتمل المأثم فلا تبعد إرادتهما ، ولو صرح بأحدهما لم يجز إرادة الثاني .
وقد يجيء من الضمير المحتمل للأمرين ، ما لا يصح إرادتهما جميعا معا ، فيلحق ذلك بقسم المجمل ، كقوله : " الأعمال بالنيات " {[10]} ، وحكمه متعلق بضمير يحتمل جواز العمل ، ويحتمل فضيلته ، وإرادة الجواز تنفي إرادة الفضيلة ، وإرادة الفضيلة تقتضي إثبات حكم شيء منه لا محالة ، مع إلحاق النقصان فيه ونفي الفضيلة عنه ، ويستحيل إرادة نفي الفضيلة والأصل جميعا في حالة واحدة ، وليس احتمال الضمير للأمرين موجبا عموما من حيث الصيغة ، ولكنه يحتمل إرادتهما ، فإن معنى العموم : اشتمال اللفظ على معنيين من جهة واحدة ، وليس مجملا أيضا فإن إرادة الكل جائزة .
والفوائد التي ينتظمها قوله : " بسم الله " :
الأمر باستفتاح الأمور بها تبركا بذلك ، وذكرها على الذبيحة{[11]} ، وشعار من شعائر الدين ، وطرد الشيطان ، كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا سمى العبد الله تعالى على طعامه لم ينل منه الشيطان ، فإذا لم يسمه نال منه معه " {[10]} .
وفيه إظهار مخالفة المشركين الذين يفتتحون أمورهم بذكر الأصنام أو غيرها من المخلوقين ، وهو مفزع الخائف ، ودلالة من قائله على انقطاعه إلى الله ، وأنس للسامع ، وإقرار بالألوهية ، واعتراف بالنعمة ، واستغاثة بالله{[11]} ، وعبادة له{[10]} .
وفيه اسمان من أسماء الله تعالى لا يسمى بهما غيره : وهو الله والرحمن ، وهو{[11]} أشهر أسماء الله تعالى ، الذي ينسب إليه كل اسم ، فيقال : الرؤوف والكريم من أسماء الله ، ولا يقال : الله من أسماء الكريم .