قوله تعالى : { إلاَّ الذيِنَ يَصِلُونَ إلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِيثَاقٌ } الآية [ 90 ] :
قال أبو عبيد : يصلون يعني ينسبون إليهم ، والانتساب يكون بالحلف تارة ، وبالرحم والولاء ، وجائز أن يدخل في عهدهم على حسب ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين قريش في الموادعة ، فدخلت خزاعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ودخلت بنو كنانة في عهد قريش ثم نسخت العقود بقوله تعالى : { بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إلَى الذينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ المشركين فَسِيحُوا فيِ الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } إلى قوله : { ونُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون{[991]} } .
وقال : { إلاَّ الذيِنَ يَصِلُونَ إلىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ } : أي لكم مثل ما لهم ، فإذا عقد الإمام عقد هدنة مع قوم من الكفار ، فكل من يدخل في خبرهم من مناسيبهم بالحلف والرحم والولاء ، داخل في عهدهم .
نعم ، نسخ العهد مع المشركين بإعزاز الله الدين ، وأمر المسلمين ، بأن لا يقبلوا منهم إلا السيف أو الإسلام ، بقوله تعالى : { فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُم{[992]} } ، فنسخ به الصلح والهدنة ، وتقريرهم على الكفر ، وأمر المسلمين بقتالهم ، حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، إن كانوا أهل كتاب ، أو السيف أو الإسلام ، إن لم يكونوا من أهل الكتاب{[993]} ، فالمنسوخ ذلك العهد . . فإذا دعت حاجة الزمان إلى مهادنة الكفار من غير جزية يردونها إليه ، فكل من انتسب إلى المعاهدين صار منهم واشتمل الأمان عليهم .