الْآيَةُ الثَّالِثَةُ : { سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ } .
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ :
المسألة الْأُولَى : قوله تعالى { سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ } :
ذَكَرَ فِيهِ أَهْلُ التَّفْسِيرِ قَوْلَيْنِ :
أَحَدُهُمَا أَنَّهَا سِمَةٌ سَوْدَاءُ تَكُونُ عَلَى أَنْفِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُمَيَّزُ بِهَا بَيْنَ النَّاسِ . وَهَذَا كَقَوْلِهِ : { يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ } .
وَقِيلَ : يُضْرَبُ بِالنَّارِ عَلَى أَنْفِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي وَسْمًا يَكُونُ عَلَامَةً [ عَلَيْهِ ] . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } ؛ فَهَذِهِ عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ . وَقَالَ : { وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقًا يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إنْ لَبِثْتُمْ إلَّا عَشْرًا } وَهَذِهِ عَلَامَةٌ أُخْرَى ظَاهِرَةٌ ، فَأَفَادَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَامَةً ثَالِثَةً وَهِيَ الْوَسْمُ عَلَى الْخُرْطُومِ مِنْ جُمْلَةِ الْوَجْهِ .
المسألة الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : { سَنَسِمُهُ } :
كَانَ الْوَسْمُ فِي الْوَجْهِ لِذَوِي الْمَعْصِيَةِ قَدِيمًا عِنْدَ النَّاسِ حَتَّى أَنَّهُ رُوِيَ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا أَهْمَلُوا رَجْمَ الزَّانِي وَاعْتَاضُوا عَنْهُ بِالضَّرْبِ وَتَحْمِيمِ الْوَجْهِ ، وَهَذَا وَضْعٌ بَاطِلٌ .
وَمِنْ الْوَسْمِ الصَّحِيحِ فِي الْوَجْهِ مَا رَأَى الْعُلَمَاءُ مِنْ تَسْوِيدِ وَجْهِ شَاهِدِ الزُّورِ عَلَامَةً عَلَى قُبْحِ الْمَعْصِيَةِ ، وَتَشْدِيدًا لِمَنْ يَتَعَاطَاهَا لِغَيْرِهِ مِمَّنْ يُرْجَى تَجَنُّبُهُ بِمَا يُرْجَى مِنْ عُقُوبَةِ شَاهِدِ الزُّورِ وَشُهْرَتِهِ . وَقَدْ كَانَ عَزِيزًا بِقَوْلِ الْحَقِّ ، وَقَدْ صَارَ مَهِينًا بِالْمَعْصِيَةِ ؛ وَأَعْظَمُ الْإِهَانَةِ إهَانَةُ الْوَجْهِ ، وَكَذَلِكَ كَانَتْ الِاسْتِهَانَةُ بِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ سَبَبًا لِحَيَاةِ الْأَبَدِ ، وَالتَّحْرِيمِ لَهُ عَلَى النَّارِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ ، حَسْبَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ .