الْآيَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْله تَعَالَى : { وَرَبَّك فَكَبِّرْ }
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ :
المسألة الْأُولَى : التَّكْبِيرُ هُوَ التَّعْظِيمُ حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْأَمَدِ الْأَقْصَى ، وَمَعْنَاهُ ذِكْرُ اللَّهِ بِأَعْظَمَ صِفَاتِهِ بِالْقَلْبِ ، وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِاللِّسَانِ ، بِأَقْصَى غَايَاتِ الْمَدْحِ وَالْبَيَانِ ، وَالْخُضُوعُ [ لَهُ ] بِغَايَةِ الْعِبَادَةِ كَالسُّجُودِ لَهُ ذِلَّةً وَخُضُوعًا
المسألة الثَّانِيَةُ : هَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ يَقْتَضِي بِعُمُومِهِ تَكْبِيرَ الصَّلَاةِ ، فَإِنَّهُ مُرَادٌ بِهِ التَّكْبِيرُ وَالتَّقْدِيسُ ، وَالتَّنْزِيهِ بِخَلْعِ الْأَنْدَادِ وَالْأَصْنَامِ دُونَهُ ، وَلَا تَتَّخِذْ وَلِيًّا غَيْرَهُ ، وَلَا تَعْبُدْ وَلَا تَرَى لِغَيْرِهِ فِعْلًا إلَّا لَهُ ، وَلَا نِعْمَةً إلَّا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ صَلَاةً عِنْدَ نُزُولِهَا ، وَإِنَّمَا كَانَ ابْتِدَاءَ التَّوْحِيدِ .
وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ : اُعْلُ هُبَلُ ، اُعْلُ هُبَلُ ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : قُولُوا لَهُ : اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ » وَقَدْ صَارَ هَذَا اللَّفْظُ بِعُرْفِ الشَّرْعِ فِي تَكْبِيرِ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا أَذَانًا وَصَلَاةً وَذِكْرًا ، بِقَوْلِهِ : " اللَّهُ أَكْبَرُ " وَحُمِلَ عَلَيْهِ لَفْظُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَارِدُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي مَوَارِدِهَا ، مِنْهَا قَوْلُهُ : «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ » وَالشَّرْعُ يَقْتَضِي بِعُرْفِهِ مَا يَقْتَضِي بِعُمُومِهِ . وَمِنْ مَوَارِدِهِ أَوْقَاتُ الْإِهْلَالِ بِالذَّبَائِحِ لِلَّهِ تَخْلِيصًا لَهُ من الشِّرْكِ ، وَإِعْلَانًا بِاسْمِهِ فِي النُّسُكِ ، وَإِفْرَادًا لِمَا شُرِعَ لِأَمْرِهِ بِالسَّفْكِ .