الْآيَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْله تَعَالَى : { إنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ } .
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ :
المسألة الْأُولَى : قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : فِيهَا سِتَّةُ أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلُ : أُصُولُ الشَّجَرَةِ
الثَّانِي الْجَبَلُ
الثَّالِثُ الْقَصْرُ من الْبِنَاءِ
الرَّابِعُ خَشَبٌ طُولُهُ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ
الْخَامِسُ أَعْنَاقُ الدَّوَابِّ
السَّادِسُ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَرَأَهَا الْقَصَرُ ، وَفَسَّرَهَا بِأَعْنَاقِ الْإِبِلِ .
المسألة الثَّانِيَةُ : أَمَّا ( ق ص ر ) فَهُوَ بِنَاءٌ يَنْطَلِقُ عَلَى مُخْتَلِفَاتٍ كَثِيرَةٍ ، يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا انْطِلَاقًا وَاحِدًا . وَالْمَعْنَى مُخْتَلِفٌ فِي ذَلِكَ . وَالصَّحِيحُ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : { تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ } قَالَ : كُنَّا نَرْفَعُ الْخَشَبَ بِقَصَرٍ ثَلَاثَ أَذْرُعٍ أَوْ أَقَلَّ ، فَنَرْفَعُهُ لِلشِّتَاءِ ، فَنُسَمِّيهَا الْقَصَرَ .
المسألة الثَّالِثَةُ : أَمَّا ادِّخَارُ الْقُوتِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ أَمَّا ادِّخَارُ الْحَطَبِ وَالْفَحْمِ فَمُسْتَفَادٌ من هَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ من الْقُوتِ فَإِنَّهُ من مَصَالِحِ الْمَرْءِ ، وَمَغَانِي مَفَاقِرِهِ ؛ وَذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي النَّظَرَ أَنْ يَكْتَسِبَهُ فِي غَيْرِ وَقْتِ حَاجَتِهِ ، لِيَكُونَ أَرْخَصَ ، وَحَالَةُ وُجُودِهِ أَمْكَنَ ، كَمَا «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَّخِرُ الْقُوتَ فِي وَقْتِ عُمُومِ وُجُودِهِ من كَسْبِهِ وَمَالِهِ » ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اكْتَسَبَهُ فِي وَقْتِ رُخْصِهِ ، وَكُلُّ شَيْءٍ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا يَبْتَاعُ لَهُ فَحْمًا فَابْتَاعَهُ لَهُ فِي الصَّيْفِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِيهِ . وَعِنْدِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي يَبْتَاعُ فِيهِ لِيَدَّخِرَهُ الْعَبْدُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ، إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِذَلِكَ مَا يُوجِبُ تَخْصِيصَهُ بِحَالٍ فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ الْمُقْتَضَى بِالِاسْتِدْلَالِ .