الْآيَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْله تَعَالَى : { فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ } :
فِيهَا ثَمَانِ مَسَائِلَ :
المسألة الْأُولَى : الْعَقَبَةُ : فِيهَا خَمْسَةُ أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهَا طَرِيقُ النَّجَاةِ ؛ قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ .
الثَّانِي جَبَلٌ فِي جَهَنَّمَ ؛ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ .
الثَّالِثُ : عَقَبَةٌ فِي جَهَنَّمَ هِيَ سَبْعُونَ دَرَجَةً ، قَالَهُ كَعْبٌ .
الرَّابِعُ أَنَّهَا نَارٌ دُونَ الْحَشْرِ .
الْخَامِسُ أَنْ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ وَهَوَاهُ وَعَدُوَّهُ الشَّيْطَانَ ؛ قَالَهُ الْحَسَنُ : عَقَبَةٌ وَاَللَّهِ شَدِيدَةٌ .
المسألة الثَّانِيَةُ : الْعَقَبَةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ الْأَمْرُ الشَّاقُّ ، وَهُوَ فِي الدُّنْيَا بِامْتِثَالِ الْأَمْرِ وَالطَّاعَةِ ، وَفِي الْآخِرَةِ بِالْمُقَاسَاةِ لِلْأَهْوَالِ وَتَعْيِينُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِخَبَرِ الصَّادِقِ .
المسألة الثَّالِثَةُ : " اقْتَحَمَ " مَعْنَاهُ قَطَعَ الْوَادِيَ بِسُلُوكِهِ فِيهِ . وَقَالَ اللَّيْثُ : هُوَ رَمْيُهُ فِي وَهْدَةٍ بِنَفْسِهِ . وَقَالَ عَلِيٌّ : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْتَحِمَ جَرَاثِيمَ جَهَنَّمَ فَلِيَقْضِ بَيْنَ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ . وَإِنَّمَا فَسَّرْنَاهُ بَعْدَ الْعَقَبَةِ لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ تَقَدَّمَ فِي الشَّرْحِ عَلَى الصِّفَةِ بِحُكْمِ النَّظَرِ الْحَقِيقِيِّ حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ .
المسألة الرَّابِعَةُ : اخْتَارَ الْبُخَارِيُّ من هَذَا التَّقْسِيمِ قَوْلَ مُجَاهِدٍ : إنَّهُ لَمْ يَقْتَحِمْ الْعَقَبَةَ فِي الدُّنْيَا ؛ وَإِنَّمَا اخْتَارَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ الثَّالِثَةِ : { وَمَا أَدْرَاك مَا الْعَقَبَةُ } .