/م90
ونظير هذا التعبير الذي ورد أعلاه جاء أيضاً في أشعار وكلمات الأدباء العرب والعجم ،مثل:
أتت وحياض الموت بيني وبينها ***وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل
لكن ( فاليوم ننجّيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية ) آية للحكام المستكبرين ولكل الظالمين والمفسدين ،وآية للفئات المستضعفة .
هناك بحث بين المفسّرين المراد من البدن هنا ،فأكثرهم يرى بأنّ المراد هو جسد فرعون الذي فارقته الروح ،لأنّ عظمة فرعون في أفكار الناس في ذلك المحيط بلغت حدّاً بحيث أنّ الكثير لولا ذلك لم يكن يصدق أن فرعون يمكن أن يغرق ،وكان من الممكن أن تنسج الأساطير والخرافات الكاذبة حول نجاة وحياة فرعون بعد هذه الحادثة ،لذلك ألقى الله سبحانه جسده خارج الماء .
اللطيف هنا ،أنّ البدن في اللغةكما قال الراغب في مفرداتهيعني الجسد العظيموهذا يدلنا على أن فرعون كان عظيم الهيكل ممتلئ الجسم كما هو الحال في الكثير من أهل الترف والرفاه الدنيوي !
إِلاّ أنّ البعض الآخر قالوا: إِنّ أحد معاني البدن هو الدرع ،وهذا إِشارة إِلى أن الله سبحانه قد أخرج فرعون من الماء بدرعه الذهبي الذي كان على بدنه ليعرف عن طريقه ،ولا يبقى أي مجال للشك في أنّه فرعون .
هذه النقطة أيضاً تستحق الانتباه ،وهي أنهم استفادوا من جملة «ننجيك » أنّ الله سبحانه قد أمر الأمواج أن تلقي بدنه على مكان مرتفع عن الساحل لأنّ مادة «النجوة » تعني المكان المرتفع والأرض العالية .
والنقطة الأُخرى التي تلاحظ في الآية أنّ جملة: ( فاليوم ننجّيك ) قد بدأت بفاء التفريع ،ومن الممكن أن يكون ذلك إِشارة إِلى أن إِيمان فرعون الباهت في هذه اللحظة اليائسة وفي ساعة الاحتضار كان كالجسد بدون روح ولذلك أثر بالمقدار الذي أنجى الله جسد فرعون من الماء بعد أن فارقته الروح ،حتى لا يكون طعمة للأسماك وليكون عبرة للأجيال القادمة !
ويوجد الآن في متاحف مصر وبريطانيا جثة أو جثتين من جثث الفراعنة التي بقيت محنّطة بالمومياء ،فهل أنّ بدن فرعون المعاصر لموسى من بينها حيث حفظوه فيما بعد بالمومياء ،أم لا ؟
لا يمكننا إثبات ذلك ،إلاّ أنّ تعبير ( لمن خلفك ) يقوي هذا الاحتمال في أن بدن ذلك الفرعون من بين هذه الأبدان ،ليكون عبرة لكل الأجيال القادمة ،لأنّ تعبير الآية مطلق ويشمل كل الأجيال في المستقبل ( فتدبر جيداً ) .
ويقول في نهاية الآية: إِنّه وبالرغم من كل هذه الآيات والدلالات على قدرة الله ،ومع كل الدروس والعبر التي ملأت تاريخ البشر فإِنّ الكثير معرضون عنها ( وإِنّ كثيراً من النّاس عن آياتنا لغافلون ) .