الآية الأخيرة تؤكد بصراحة أكثر على هذا الموضوع:{وَلَمّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الّذينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} .
كان أحبار اليهود يبشرون النّاس قبل البعثة النبوية بالرّسول الموعود ويذكرون لهم علاماته وصفاته ،فلمّا بعث نبي الإِسلام ،أعرضوا عمّا جاء في كتابهم ،وكأنهم لم يروا ولم يقرءوا ما ذكرته التوراة في هذا المجال .
هذه هي النتيجة الطبيعية للأفراد الغارقين في ذاتياتهم ،هؤلاءحتى في دعوتهم إلى حقيقة من الحقائقلا يتجردون عن ذاتياتهم ،فإن وصلوا إلى تلك الحقيقة ووجدوها تنسجم مع أهوائهم ،أعرضوا عنها ونبذوها وراء ظهورهم .
1واضح أن تعبير «النُّزول » أو «الإِنْزَالِ » بشأن القرآن الكريم لا يعني الإِنتقال المكاني من الأعلى إلى الأسفل وأن الله مثلا في السماء وأنزل القرآن إلى الأرض ،بل التعبير يشير إلى علو مكانة ربّ العالمين .
2كلمة «فاسق » من مادة «فسق » وتعني خروج النّواة من الرطب ،فقد تسقط الرطبة من النخلة ،وتنفصل عنها النّواة .ويقال عن هذا الإنفصال في العربية «فسقت النواة » ،ثم أُطلقت الكلمة على كل انفصال عن خط طاعة الله ،وعن طريق العبودية .
فكما أن النّواة تفسق إذا نزعت لباسها الحلو المفيد المغذي ،كذلك الفاسق ينزع عنه بفسقه كل قيمه وشخصيّته الإنسانية .
3القرآن في حديثه عن اليهود لا يوبّخ الجميع بسبب ذنوب الأكثرية ،بل يستعمل كلمات مثل «فريق » «أكثر » ليصون حق الأقلية المؤمنة المتقية ،وطريقة القرآن هذه في حديثه عن الأمم درس لنا كي لا نحيد في أحاديثنا ومواقفنا عن الحقّ والحقيقة .