/م217
التّفسير
القتال في الأشهر الحُرُم:
كما مرّ بنا في سبب النّزول ويُشير إلى ذلك السياق أيضاً فإنّ الآية الأولى تتصدّى للجواب عن الأسئلة المرتبطة بالجهاد والإستثنائات في هذا الحكم الإلهي فتقول الآية ( يسألونك عن الشهر الحرام قتالٌ فيه ) ثمّ تُعلن الآية حرمة القتال وأنّه من الكبائر ( قل قتال فيه كبير ) أي إثم كبير .
وبهذا يُمضي القرآن الكريم بجديّة السنّة الحسنة الّتي كانت موجودة منذ قديم الأزمان بين العرب الجاهليّين بالنسبة إلى تحريم القتال في الأشهر الحُرم ( رجب ،ذي القعدة ،ذي الحجّة ،محرم ) .
ثمّ تضيف الآية أنّ هذا القانون لا يخلوا من الإستثنائات ،فلا ينبغي السّماح لبعض المجموعات الفاسدة لإستغلال هذا القانون في إشاعة الظلم والفساد ،فعلى الرّغم من أنّ الجهاد حرام في هذه الأشهر الحُرم ،ولكنّ الصد عن سبيل الله والكفر به وهتك المسجد الحرام وإخراج الساكنين فيه وأمثال ذلك أعظم إثماً وجرماً عند الله ( وصدٌّ عن سبيل الله وكفرٌ به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله ){[321]} .
ثمّ تضيف الآية بأنّ إيجاد الفتنة والسعي في إضلال الناس وحرفهم عن سبيل الله ودينه أعظم من القتل ( والفتنة أكبر من القتل ) لأنّ القتل ما هو إلاّ جناية على جسم الإنسان ،والفتنة جناية على روح الإنسان وإيمانه{[322]} ،ثمّ إنّ الآية تحذّر المسلمين أن لا يقعوا تحت تأثير الإعلان الجاهلي للمشركين ،لأنّهم لا يقنعون منكم إلاّ بترككم لدينكم إن استطاعوا ( ولا يزالون يقاتلونكم حتّى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا ) .
فينبغي على هذا الأساس أن تقفوا أمامهم بجزم وقوّة ولا تعتنوا بوسوساتهم وأراجيفهم حول الأشهر الحُرم ،ثمّ تُنذر الآية المسلمين وتحذّرهم من الارتداد عن دين الله ( ومن يرتدد منكم عن دينه فيُمت وهو كافر فاُولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة واُولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) .
فما أشدَّ عقاب المرتد عن الإسلام ،لأنّ ذلك يُبطل كلّما قدّمه الفرد من عمل صالح ويستحق بذلك العذاب الإلهي الأبدي .
ومن الواضح أنّ الأعمال الصّالحة لها آثار طيّبة في الدنيا والآخرة ،والمرتدّون سوف يُحرمون من هذه البركات بسبب ارتدادهم ،مضافاً إلى محو جميع معطيات الإيمان الدنيويّة للفرد حيث تنفصل عنه زوجته وتنتقل أمواله إلى ورثته فور ارتداده .
/خ218