ذلك الله ( الذي يراك حين تقوم وتقلّبك في الساجدين ) .أجل ( إنه هو السميع العليم ) ...
وهكذا تذكر الآيات ثلاث صفات لله بعد وصفه بالعزيز الرحيم وكلّ منها يمنح الأمل ويشدّ من عزم النّبي على مواصلة طريقه ،إذ أن الله يرى جهوده وأتعابه وحركاته وسكناتهِ ،وقيامه وسجوده وركعاته !...
ذلك الله الذي يسمع صوته .
الله الذي يعلم حاجاته وطلباته حاجته ...
أجل ،فعلى هذا الإله توكل ،وأركن إليه أبداً .
بحثان
1تفسير ( وتقلبك في الساجدين ) .
بين المفسّرين أقوال مختلفة في معنى قوله تعالى: ( الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين ) .
وظاهر الآية هو ما ذكرناه آنفاً ،أن الله يرى قيامك وانتقالك وحركتك بين الساجدين .
وهذا القيام يمكن أن يكون قياماً للصلاة ،أو القيام للعبادة من النوم ،أو القيام للصلاة فرادى ،وفي مقام تقلبك في الساجدين ...الذي يشير إلى صلاة الجماعة .
«التقلب » معناه الحركة والانتقال من حال إلى حال ،وهذا التعبير لعله إشارة إلى سجود النبيِّ بين الساجدين في أثناء الصلاة ،أو إلى حركة النّبي وتنقله بين أصحابه وهم مشغولون بالعبادة ،وكان يتابع أحوالهم ويسأل عنهم ...
وفي المجموع فإنّ هذا التعبير إشارة إلى أن الله سبحانه لا يخفى عليه شيءٌ من حالاتك وسعيك ،سواءً كانت شخصيّة فردية ،أم كانت مع المؤمنين في صورة جماعية ،لتدبير أمور العباد ولنشر مبدأ الحق مع الالتفات إلى أن الأفعال الواردة في الآية مضارعة وفيها معنى الحال والاستقبال » .
وهنا تفسيران آخران ذكرا في معنى الآية ،إلاّ أنّهما لا ينسجمان مع ظاهرها ،ولعلهما من بطون الآية:
الأوّل: أنّ المراد من الآية رؤية النّبي ونظره إلى المصلين والساجدين خلفه ،لأنّه كما يرى من أمامه يرى من خلفه كما ورد في الحديث: «لا ترفعوا قبلي ولا تضعوا قبلي ،فإنّي أراكم من خلفي كما أراكم من أمامي »{[2965]} ثمّ تلا النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) الآية آنفة الذكر .
الثّاني: أنّ المراد منه أنّ انتقاله في أصلاب النبيّين من لدن آدم حتى أبيه عبد الله ،كلّه تحت نظر الله سبحانه ،أي حين تنتقل نطفتك المباركة من نبيّ موحد ساجد إلى ساجد آخر فإن الله عليم بذلك ...
وقد جاء في تفسير علي بن ابراهيم عن الإمام الباقر( عليه السلام ) في تفسير ( وتقلبك في الساجدين ) ما يشير إلى هذا المعنى ،قال( عليه السلام ): «في أصلاب النبيين صلوات الله عليهم »{[2966]} .
وفي تفسير مجمع البيان في توضيح هذه الجملة جاء عن الإِمامين الباقر والصادق( عليهما السلام ) ما يلي: «في أصلاب النبيين نبيّ بعد نبيّ ،حتى أخرجه من صلب أبيه ،عن نكاح غير سفاح من لدن آدم »{[2967]} .
وبالطبع فإنّه بقطع النظر عن الآيات آنفة الذكر وتفسيراتها ،فإن الدلائل المتوفرة تدلّ على أن والد النّبي وأجداده لم يكونوا مشركين أبداً ،وولدوا في محيط منزّه عن الشرك والدنس «لمزيد الإيضاح يراجع تفسير الآية ،74 من سورة الأنعام » إلاّ أن التفاسير الآنفة هي من بطون الآية ...
/خ218