ثمّ تتطرّق إلى «مالكية » الله ،لأنّه بعد ثبوت كونه خالقاً لا حاجة إلى دليل على كونه مالكاً ،فتقول: ( لله ما في السموات والأرض ) .ومن البديهي أنّ الخالق والمالك يكون مدبّراً لأمر العالم أيضاً ،وبهذا تثبت أركان التوحيد الثلاثة ،وهي: «توحيد الخالقية » و «توحيد المالكية » و «توحيد الربوبية » .والذي يكون على هذا الحال فإنّه غنيّ عن كلّ شيء ،وأهل لكلّ حمد وثناء ،ولذلك تقول الآية في النهاية: ( إنّ الله هو الغني الحميد ) .
إنّه غنيّ على الإطلاق ،وحميد من كلّ جهة ،لأنّ كلّ موهبة في هذا العالم تعود إليه ،وكلّ ما يملكه الإنسان فانّه صادر منه وخزائن كلّ الخيرات بيده ،وهذا دليل حيّ على غناه .
ولمّا كان «الحمد » بمعنى الثناء على العمل الحسن الذي يصدر عن المرء باختياره ،وكلّ حسن نراه في هذا العالم فهو من الله سبحانه ،فإنّ كلّ حمد وثناء منه ،فحتّى إذا مدحنا جمال الزهور ،ووصفنا جاذبية العشق الملكوتي ،وقدّرنا إيثار الشخص الكريم ،فإنّنا في الحقيقة نحمده ،لأنّ هذا الجمال والجاذبية والكرم منه أيضاً ..إذن فهو حميد على الإطلاق .
ثمّ تجسّد الآية التالية علم الله اللامحدود من خلال ذكر مثال بليغ جدّاً ،وقبل ذلك نرى لزوم ذكر هذه المسألة ،وهيطبقاً لما جاء في تفسير علي بن إبراهيم: إنّ قوماً من اليهود عندما سألوا النّبي ( صلى الله عليه وآله ) حول مسألة الروح ،وأجابهم القرآن بأن ( قل الروح من أمر ربّي وما اُوتيتم من العلم إلاّ قليلا ) صعب هذا الكلام عليهم ،وسألوا النّبي ( صلى الله عليه وآله ): هل أنّ هذا في حقّنا فقط ؟فأجابهم النّبي ( صلى الله عليه وآله ): «بل الناس عامّة » ،قالوا: فكيف يجتمع هذا يا محمّد ؟!أتزعم أنّك لم تؤت من العلم إلاّ قليلا ،وقد اُوتيت القرآن واُوتينا التوراة ،وقد قرأت: ( ومن يؤت الحكمةوهي التوراةفقد اُوتي خيراً كثيراً ) هنا نزلت الآية ( ولو أنّ ما في الأرض من شجرة أقلام ...)الآية مورد البحثوأوضحت أنّ علم الإنسان مهما كان واسعاً فإنّه في مقابل علم الله عز ّوجلّ ليس إلاّ ذرّة تافهة ،والذي يعدّ كثيراً في نظركم ،هو قليل جدّاً عند الله{[3271]} .