/م36
التّفسير
تمرّد عظيم على العرف:
نعلم أنّ روح الإسلام التسليم ،ويجب أن يكون تسليماً لأمر الله تعالى بدون قيد أو شرط ،وقد ورد هذا المعنى في آيات مختلفة من القرآن الكريم ،وبعبارات مختلفة ،ومن جملتها الآية أعلاه ،والتي تقول: ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) بل يجب أن يجعلوا إرادتهم تبعاً لإرادة الله تعالى ،كما أنّ كلّ وجودهم من الشعر حتّى أخمص القدمين مرتبط به ومذعن له .
( قضى ) هنا تعني القضاء التشريعي ،والقانون والأمر والحكم والقضاء ،ومن البديهي أنّ الله تعالى غني عن طاعة الناس وتسليمهم ،ولم يكن النّبي ( صلى الله عليه وآله ) ينظر بعين الطمع لهذه الطاعة ،بل هي في الحقيقة لمصلحتهم ومنفعتهم ،فإنّهم قد يجهلونها لكون علمهم وآفاتهم محدودة ،إلاّ أنّ الله تعالى يعلمها فيأمر نبيّه بإبلاغها .
إنّ هذه الحالة تشبه تماماً حالة الطبيب الماهر الذي يقول للمريض: إنّني أبدأ بعلاجك إذا أذعنت لأوامري تماماً ،ولم تبد أي مخالفة تجاهها ،وهذه الكلمات تبيّن غاية حرص الطبيب على علاج مريضه ،والله تعالى أسمى وأرحم بعباده من مثل هذا الطبيب ،ولذلك أشارت الآية إلى هذه المسألة في نهايتها ،حيث تقول: ( ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالا مبيناً ) .
فسوف يضلّ طريق السعادة ،ويسلك طريق الضلال والضياع ،لأنّه لم يعبأ بأمر ربّ الكون الرحيم ،وبأمر رسوله ،ذلك الأمر الضامن لخيره وسعادته ،وأيّة ضلالة أوضح من هذه ؟!
/خ38