/م42
التّفسير
استكبارهم ومكرهم سبب شقائهم:
تواصل هذه الآيات الحديث عن المشركين ومصيرهم في الدنيا والآخرة .
الآية الاُولى تقول: ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكوننّ أهدى من إحدى الاُمم ){[3638]} .
«أيمان » جمع «يمين » بمعنى القسم ،وفي الأصل فإنّ معنى اليمين هو اليد اليمنى ،واليمين في الحلف مستعار منها اعتبارا بما يفعله المعاهد والمحالف وغيره من المصافحة باليمين عندها .
«جهد »: من «الجهاد » بمعنى السعي والمشقّة ،وبذا يكون معنى ( جهد أيمانهم )حلفوا واجتهدوا في الحلف على أن يأتوا به على أبلغ ما في وسعهم .
نعم ،فعندما طالعوا صفحات التأريخ ،واطّلعوا على عدم وفاء وعدم شكر تلك الأقوام وجناياتهم بالنسبة إلى أنبيائهم وخصوصاً اليهود ،تعجّبوا كثيراً وادّعوا لأنفسهم الإدّعاءات وتفاخروا على هؤلاء بأن يكون حالهم أفضل منهم .
ولكن بمجرّد أن واجهوا محكّ التجربة ،ودخلوا كورة الامتحان المشتعلة ،وتحقّق طلبهم ببعثة نبيّ منهم ،تبيّن أنّهم من نفس تلك الطينة ،حيث أشار القرآن إلى ذلك بعد تلك الجملة الاُولى من الآية بالقول: ( فلمّا جاءهم نذير ما زادهم إلاّ نفوراً ) .
هذا التعبير يدلّل على أنّهم كانوا قبل بعثة النّبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم )وعلى خلاف ما يدّعونبعيدين عن دين الله سبحانه وتعالى ،فقد كانت حنيفية إبراهيم معروفة بينهم ،إلاّ أنّهم لم يكونوا يحترمونها ،كذلك لم يكن لديهم أي اعتبار لما كان يمليه العقل من تصرفات .وبقيام النّبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ونيله من عقائدهم وأعرافهم وعصبيتهم الجاهلية ،ووقوع مصالحهم غير المشروعة في الخطر ،زادت الفاصلة بينهم وبين الحقّ ،نعم كانوا بعيدين عن الحقّ ،لكنّهم ازدادوا بعداً عن الحقّ بعد بعثة النّبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .