بعد ذلك تضيف الآية ( تنزيل العزيز الرحيم ){[3654]} .
التأكيد على «العزيز » كصفة لله سبحانه وتعالى ،لأجل بيان قدرته سبحانه وتعالى في قبال كتاب كبير كهذا ،كتاب يقف معجزة شامخة على مرّ العصور والقرون ،ولن تستطيع أيّة قدرة مهما كانت أن تمحو أثره العظيم من صفحة القلوب .
والتأكيد على «رحيميته » لأجل بيان هذه الحقيقة وهي أنّ رحمته أوجبت أن تقيّض للبشر نعمة عظيمة كهذه .
بعض المفسّرين قالوا بأنّ هاتين الصفتين ذكرتا للإشارة إلى نوعين من ردود الفعل المحتملة من قبل الناس إزاء نزول ذلك الكتاب السماوي وإرسال النّبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،فلو أنكروا وكذّبوا ،فإنّ الله سبحانه وتعالى يهدّدهم بعزّته ،ولو دخلوا من باب التسليم والقبول ،فإنّ الله يبشّرهم برحمته الخاصّة .
وعليه فإنّ عزّته ورحمته إحداهما مظهر للإنذار والاُخرى للبشارة ،وباقترانهما جعل هذا الكتاب السماوي العظيم في متناول البشرية .
هنا يطرح سؤال: هل يمكن إثبات حقّانية الرّسول أو الكتاب السماوي ،بواسطة قَسَم أو تأكيد ؟
الجواب تستبطنه الآيات المذكورة ،لأنّها من جانب تصف القرآن بالحكيم ،مشيرة إلى أنّ حكمته ليست مخفية عن أحد ،وذلك دليل على حقّانيته .
ومن جانب آخر فإنّ وصف الرّسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بأنّه ( على صراط مستقيم ) ،بمعنى أنّ محتوى دعوته يتّضح من سبيله القويم ،وماضيه أيضاً دليل على أنّه لم يسلك في حياته سوى الطريق المستقيم .
وقد أشرنا في البحوث التي أوردناها حول أدلّة حقّانية الرسل ،إلى أنّ أحد أهمّ الطرق لإدراك حقّانية الرسل ،هو التحقّق والإطلاع على محتوى دعواتهم بشكل دقيق ،الأمر الذي يؤكّد دائماً أنّها متوافقة ومنسجمة مع الفطرة والعقل والوجدان ،وقابلة للإدراك والتعقّل البشري ،إضافةً إلى أنّ تأريخ حياة الرّسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يدلّل على أنّه رجل أمانة وصدق ،وليس رجل كذب وتزوير ..هذه الأمور قرائن حيّة على كونه رسول الله ،والآيات أعلاه في الحقيقة تشير إلى كلا المطلبين ،وعليه فإنّ القسم والدعوى أعلاه لم يكونا بلا سبب أبداً .
ناهيك عن أنّه من حيث أدب المناظرة ،فإنّه لأجل النفوذ في قلوب المنكرين والمعاندين يجب أن تكون العبارات في طرحها أكثر إحكاماً وحسماً ومصحوبة بتأكيد أقوى ،كيما تستطيع التأثير في هؤلاء .
يبقى سؤال: وهو لماذا كان المخاطب في هذه الجملة شخص الرّسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وليس المشركين أو عموم الناس ؟
الجواب هو التأكيد على أنّك يا أيّها النّبي على الحقّ وعلى الصراط المستقيم ،سواء استجاب هؤلاء أو لم يستجيبوا ،لذا فإنّ عليك الاجتهاد في تبليغ رسالتك العظيمة ،ولا تُعِر المخالفين أدنى اهتمام .
/خ10