ولكي يستفيدوا بشكل جيّد من هذه الحيوانات: ( وذلّلناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ) .
ولا تنتهي منافعها إلى هذا الحدّ ،بل ( ولهم فيها منافع ومشارب ) وعليه ( أفلا يشكرون ) الشكر الذي هو وسيلة معرفة الله وتشخيص وليّ النعمة .
هنا يجب الالتفات إلى بعض الأمور:
1من بين النعم المختلفة التي تغمر الإنسان ،أشارت الآية إلى نعمة وجود الأنعام ،لأنّها تشكّل حضوراً دائماً في حياة الإنسان اليومية ،إلى حدّ أنّ حياة الإنسان اقترنت بها ،بحيث لو أنّها حذفت من صفحة حياة الإنسان فإنّ ذلك سيشكّل عقدة ومشكلة بالنسبة إلى معيشته وأعماله ،غير أنّ الإنسان لا يلتفت إلى أهمّيتها لأنّه تعوّد رؤيتها يومياً .
2جملة ( عملت أيدينا ) كناية عن إعمال القدرة الإلهيّة بشكل مباشر ،إذ أنّ أهمّ الأعضاء التي يمارس بها الإنسان قدرته ويعبّر عنها هي يداه ،لهذا السبب كانت «اليد » كناية عن القدرة ،كأن يقول أحدهم: «إنّ المنطقة الفلانية في يدي » كناية عن أنّها تحت سيطرته ونفوذه ،ويقول القرآن في هذا الصدد ( يد الله فوق أيديهم ){[3724]} .
وذكر «الأيدي » هنا بصيغة الجمع إشارة إلى مظاهر متنوّعة لقدرة الباري عزّ وجلّ .
3جملة ( فهم لها مالكون ) المبتدأة بفاء التفريع ،إشارة إلى أنّ الخلق مرتبط بقدرتنا ،وأمّا المالكية فقد فوّضناها إلى الإنسان ،وذلك منتهى اللطف الإلهي ،وعليه فلا محلّ للإشكال الذي ظهر لبعض المفسّرين نتيجة وجود «فاء التفريع » ،فالمعنى تماماً كما نقول لشخص: هذا البستان زرعناه وأعمرناه ،استفد منه أنت ،وهذا منتهى إظهار المحبّة والإيثار .
4جملة ( وذلّلناها لهم ) إشارة إلى مسألة في غاية الأهمية ،وهي تذليل هذه الحيوانات للإنسان .فتلك الحيوانات القوية والتي تنسى في بعض الأحيان ذلك التذليل الإلهي ،وتثور وتغضب وتعاند فتصبح خطرة إلى درجة أنّ عشرات الأشخاص لا يمكنهم الوقوف أمامها .وفي حالاتها الاعتيادية فإنّ قافلة كاملة من الجمال يقودها تارةً صبي لم يبلغ الحلم ،ويدفعها في الطريق الذي يرتئيه !
إنّه لأمر عجيب حقّاً ،فإنّ الإنسان غير قادر على خلق ذبابة ،ولا حتّى ترويضها وتذليلها لخدمته ،أمّا الله القادر المنّان فإنّه خلق ملايين الملايين من الحيوانات المختلفة ،وذلّلها للإنسان لتكون في خدمته دوماً .
5جملة ( فمنها ركوبهم ومنها يأكلون )مع الالتفات إلى أنّ ( ركوبهم ) صفة مشبّهة بمعنى ( مركوبهم )إشارة إلى أنّ الإنسان ينتخب قسماً منها للركوب وقسماً آخر للتغذّي .وإن كان لحم أغلب الحيوانات المشهورة حلال بنظر الإسلام ،إلاّ أنّ الإنسان استفاد عمليّاً من بعضها فقط للتغذية ،فمثلا لحم الحمير لا يستفاد منه إلاّ في الضرورة القصوى .
/خ76