التّفسير
النّبي إلياس ومواجهته للمشركين:
القصّة الرابعة في هذه السورة استعرضت بصورة مختصرة حياة نبي الله ( إلياس ) ،يقول تعالى: ( وإنّ إلياس لمن المرسلين ) .
الحديث حول «إلياس » وخصوصياته ونسبه وحياته سيأتي لاحقاً في آخر هذه الآياتإن شاء الله .
بحثان
1من هو إلياس ؟
لا يوجد أيّ شكّ في أنّ «إلياس » هو أحد أنبياء الله الكبار ،وآيات بحثنا تصرّح بهذا الأمر ،قال تعالى: ( إنّ الياس لمن المرسلين ) .
اسم نبي الله ( إلياس ) جاء في آيتين من آيات القرآن المجيد ،الأولى في هذه السورة ،أي سورة الصافات ،والثانية في سورة الأنعام الآية ( 85 ) إذ ذكر اسمه مع مجموعة أخرى من الأنبياء ( وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كلّ من الصالحين ) .
وأبدى المفسّرون وجهات نظر متعدّدة بشأن إلياس ،إذ أنّ البعض تساءل هل أنّ اسم «إلياس » هو اسم ثان لنبي واحد ،أم أنّه يتعلّق بنبي ليس له اسم ثان ،وما هي صفات وخصائص هذا النبي ؟
للإجابة على هذه التساؤلات نستعرض وجهات النظر المتعدّدة تلك:
أيعتقد البعض أنّ «إلياس » هو إدريس ( لأنّ كلمة إدريس ،تلفظ إدراس ،وبعد أن طرأت عليها تغيّرات بسيطة أضحت إلياس ) .
ب«إلياس » هو أحد أنبياء بني إسرائيل ،وهو ابن ( ياسين ) أحد أحفاد هارون أخي نبي الله موسى ( عليه السلام ) .
جمجموعة من المفسّرين اعتبرت «إلياس » هو الخضر .
في حين أعربت مجموعة أخرى عن اعتقادها في أنّ إلياس هو صديق الخضر ،وكلاهما ما زال حيّاً ،وأنّ إلياس موكّل بالفيافي ،والخضر موكّل بالبحار والجزر .
ومجموعة ثالثة أكّدت على أنّ إلياس موكّل بالصحاري والخضر موكّل بالجبال ،ويقولون بخلود الاثنين .
والبعض يرى أنّ إلياس ابن ( اليسع ) .
دإلياس هو نفسه ( إيليا ) نبي بني إسرائيل الذي عاصر الملك ( آجاب ) والذي أرسله الباري عز وجل لإنذار وهداية ( آجاب ) الطاغية المتجبّر .
وقال البعض: إنّه يحيى معمدان المسيح .
ولكن الذي يتناسب وظاهر آيات القرآن الكريم هو أنّ هذا الاسم اسم أحد أنبياء الله غير تلك الأسماء التي وردت في القرآن المجيد ،وأنّه بعث لهداية قوم يعبدون الأصنام ،فكذّبه أكثر القوم ،عدا مجموعة من المؤمنين المخلصين الذين صدّقوه .
وكما أشرنا سابقاً فإنّ البعض يعتقد بأنّه بعث إلى بلاد الشام ،استنادا إلى اسم الصنم ( بعل ) الذي كان يعبده القوم الموجودون في تلك المنطقة ،وهي «بعلبك » التي هي اليوم إحدى مدن لبنان وتقع قرب الحدود السورية .
على أيّة حال ،فقد وردت قصص مختلفة في الكتب بشأن هذا النبي ،ولأنّها غير معتمدة وموثوقة فقد صرف النظر عنها{[3796]} .
2من هم إل ياسين ؟
المفسّرون والمؤرخون أبدوا وجهات نظر مختلفة بشأن ( الياسين ) منها:
أذهب البعض إلى أنّ إلياس والياسين هما لغتان ،كما هو شائع بالنسبةل ( ميكال ) و ( ميكائيل ) إذ أنّهما لغتان في اسم واحد لأحد الملائكة ،ول ( سيناء ) و ( سينين ) حيث تطلقان على مساحة من الأرض تقع بين مصر وفلسطين ،و ( إلياس ) و ( الياسين ) هي أيضاً لغتان في اسم واحد لهذا النّبي الكبير{[3797]} .
بالبعض الآخر يعتبرها جمعاً ،وبهذا الشكل ( إلياس ) اُضيفت إليها ( ياء ) فأصبحت ( الياسي ) ،وبعد ذلك جمعت بإضافة الياء والنون إليها فأصبحت ( الياسيين ) وبعد تخفيفها غدت ( الياسين ) ،وطبقاً لهذا يفهم منها أنّها تخصّ كلّ الذين أطاعوا الياس والتزموا بنهجه{[3798]} .
ج( آلياسين ) بالألف الممدودة ،مركّبة من كلمتي ( آل ) و ( ياسين ) وقيل أنّ ياسين هو اسم والد ( الياس ) ،ووفق رواية أخرى فإنّه أحد أسماء نبيّنا الأكرم محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبهذا فإنّ كلمة ( آل ياسين ) تعني عائلة نبي الإسلام أو عائلة ياسين والد الياس .
الدلائل الواضحة الموجودة في القرآن تؤيّد المعنى الأوّل ،والذي يقول: إنّ المقصود من ( الياسين ) هو ( الياس ) لأنّ الآية التي تلي هذه الآية المباركة ( سلام على إل ياسين ) بآية تقول: ( إنّه من عبادنا المؤمنين ) وعودة الضمير المفرد على ( الياسين ) دليل على أنّه شخص واحد لا أكثر ،وهو إلياس .
وهناك دليل آخر ،هو أنّ الآيات الأربعة الأخيرة التي وردت في نهاية قصّة إلياس ،هي نفس الآيات التي وردت في نهاية قصص نوح وإبراهيم وموسى وهارون ،وعندما نضع هذه الآيات الواحدة إلى جنب الأخرى نرى أنّ سلام الله في تلك الآيات مرسل إلى الأنبياء الذين تتطرّق إليهم الآيات المباركة ،( سلام على نوح في العالمينسلام على إبراهيمسلام على موسى وهارون ) .
وطبقاً لذلك فإنّ ( سلام على إل ياسين ) تعني السلام على إلياس .
والنقطة التي ينبغي الالتفات إليها ،أنّ الكثير من التفاسير أوردت حديثاً بسند عن ابن عبّاس يصرّح بأنّ المراد من ( آل ياسين ) هم آل محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،لأنّ أحد أسماء نبيّنا هو ياسين .
روى الشيخ الصدوق في كتابه ( معاني الأخبار ) في باب تفسير ( آل ياسين ) خمسة أحاديث بهذا الشأن ،كلّها لا تنتهي من حيث السند إلى أهل البيت ( عليهم السلام ) سوى واحد ،والراوي لهذا الحديث شخص يدعى ( كادح ) أو ( قادح ){[3799]} وهو مجهول ولا توجد ترجمته في كتب الرجال .
وعلى فرضوفقاً لهذه الأخبارأنّ الآية الآنفة تقرأ بصورة ( سلام على آل ياسين ) وبغضّ النظر عن عدم تناسب الآيات ،ورأينا أنّ إسناد هذه الرّوايات أيضاً قابلة للنقاش ،فمن الأفضل أن نتجنّب القضاء بخصوص هذه الرّوايات ونترك الحكم عليها لأهلها .