إنّكم كنتم طاغين ،وهذا هو مصير الطغاة ،أمّا نحن فقد كنّا ضالّين ومضلّين .
فنحن أضللناكم كما كنّا نحن أنفسنا ضالّين ( فأغويناكم إنّا كنّا غاوين ) .
بناء على ذلك ما الذي يثير العجب في أن نكون جميعاً شركاء في هذه المصائب وهذا العذاب ؟
ملاحظتان
1السؤال أيضاً عن ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ):
بالشكل الذي أشرنا إليه سابقاً ،فإنّ روايات عديدة وردت في مصادر الشيعة وأهل السنّة بشأن تفسير هذه الآية ( وقفوهم إنّهم مسؤولون ) تبيّن أنّ من جملة القضايا التي يسأل عنها المجرمون يوم القيامة هو ما يتعلّق بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
فالشيخ «الطوسي » نقل في كتابه ( الأمالي ) عن أنس بن مالك عن رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ): «إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على جهنّم لم يجز عليه إلاّ من معه جواز فيه ولاية علي بن أبي طالب ،وذلك قوله تعالى: ( وقفوهم إنّهم مسؤولون )يعني عن ولاية علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) »{[3753]} .
كما أكّد الكثير من كتب أهل السنّة على أنّ تفسير هذه الآية يخصّ السؤال بشأن ولاية علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ،وقد نقل هذه الرواية ابن عبّاس وأبي سعيد الخدري عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،كما نقلها رواة آخرون منهم:
ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقةالصفحة 147 .
عبد الرزاق الحنبلي في كشف الغمّةالصفحة 92 .
العلاّمة سبط ابن الجوزي في التذكرةالصفحة 21 .
الآلوسي في روح المعاني في نهاية هذه الآية .
أبو نعيم الأصفهاني في كفاية الخصالالصفحة 360 ،وغيرهم من الرواة{[3754]} .
وبالطبع ،وكما قلنا مراراً ،فإنّ مثل هذه الروايات لا تحدّ من المفهوم الواسع للآيات ،بل تعكسفي الحقيقةمصاديقها الواضحة ،بناءً على ذلك فإنّه ليس هناك أي مانع من أن يسأل عن جميع العقائد ،لكن بما أنّ للولاية موقعاً خاصّاً في بحث العقائد فقد استند عليها .
وهناك نقطة جديرة بالاهتمام ،وهي أنّ الولاية لا تعني علاقة عادية أو اعتقادا جافّاً ،وإنّما الهدف هو قبول قيادة الإمام علي ( عليه السلام ) في المسائل العقائدية والعلمية والأخلاقية والاجتماعية بعد النّبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
وقد عكست خطب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وكلماته في نهج البلاغة نماذج من تلك المسائل ..المسائل التي يعدّ الإيمان بها والعمل على أساسها وسيلة مؤثّرة للخروج من صفّ أهل جهنّم والاستقرار على صراط الله المستقيم .
2المتبوعون والتابعون الضالّون:
الآيات المذكورة أعلاه وآيات أخرى في القرآن الكريم ،تضمّنت إشارات ذات مغزى عن التخاصم الذي يقع بين الأتباع والمتبوعين يوم القيامة أو في جهنّم وهذا تحذير مفيد لكلّ من يضع عقله ودينه تحت تصرّف أئمّة الضلال .
ومع أنّ كلّ واحد يسعى في ذلك اليوم للتبرؤ من الآخر ،وحتّى أنّه يحاول إلقاء تبعات ارتكاب الذنب عليه ،ولكن بتلك الحال لا يستطيع أي واحد منهم إثبات براءته .
وشاهدنا في الآيات المذكورة أعلاه أنّ أئمّة الغواية والضلال يقولون بصراحة لتابعيهم: إنّ سبب تأثيرنا عليكم هو وجود روح الطغيان في داخلكم ( بل كنتم قوماً طاغين ) .
هذا الطغيان هيّأ لديكم أرضية التأثّر بإغوائنا ،وعبّر هذا الطريق تمكّنا من نقل الخرافات إليكم ( فأغويناكم إنّا كنّا غاوين ) .
التوجّه الدقيق لمعنى ( أغوى ) والمشتقّة من ( غي ) يوضّح الموضوع ،لأنّ كلمة ( غيّ ) كما يقول الراغب في ( مفرداته ) تعني الجهل الناشئ من المعتقدات الفاسدة ،إذ أنّ أئمّة الضلال بقوا بعيدين عن معرفة حقائق الوجود والحياة ،ونقلوا جهلهم ومعتقداتهم الفاسدة إلى تابعيهم الذين كانوا يحملون روح الطغيان في مقابل أمر الباري عز وجل .
وبهذا الدليل يعترفون هناك بأنّهم هم وتابعوهم يستحقّون العذاب ،( فحقّ علينا قول ربّنا إنّا لذائقون ) .
وكلمة ( ربّ ) هنا لها مغزى كبير ،إذ أنّ الإنسان يصل إلى درجة بحيث أنّ الله الذي هو مالك ذلك الإنسان ومربّيه ولا يريد له سوى الخير والسعادة يأمر بإلقائه في أشدّ العذاب !!وهذا أيضاً من شؤون ربوبيته .
على أيّة حال فإنّ ذلك اليوم هو حقّاً ( يوم الحسرة ) حيث يندم فيه أئمّة الضلال وتابعوهم على أفعالهم ،ولكن ما الفائدة ؟فليس هناك أي طريق للرجعة .