التّفسير
جوانب من العذاب الأليم لأهل النار:
بعد توضيح النعم الكثيرة والخالدة التي يغدقها الله سبحانه وتعالى على أهل الجنّة ،تستعرض الآيات أعلاه العذاب الأليم والمثير للأحزان الذي أعدّه الله لأهل جهنّم ،وتقارنه مع النعم المذكورة سابقاً ،بحيث تترك أثراً عميقاً في النفوس يردعها عن ارتكاب الأعمال السيّئة والمحرّمة .
ففي البداية تقول: ( أذلك خير نزلا أم شجرة الزقّوم ) .
كلمة ( نُزُل ) تعني الشيء الذي يهيّأ لورود الضيف فيقدّم إليه إذا ورد ،والبعض الآخر قال: إنّها تعني الشيء الأوّل الذي يقدّم للضيف حين وروده ،وهذه إشارة إلى النعم المهيئة لورود الضيوف الأعزّاء والمحترمين إلى الجنّة .
والقرآن الكريم يقول: أذلك خير أم شجرة الزقوم ؟ولفظة ( خير ) ليست دليلا على أنّ شجرة الزقّوم شيء جيّد ،والنعم التي أعدّها الله سبحانه وتعالى لأهل الجنّة أجود ،إذ أنّ مثل هذه الألفاظ تستخدم أحياناً في لغة العرب بشأن بعض الأشياء التي لا فائدة فيها أبداً ،ويحتمل بأنّها نوع من الكناية ،ومثلها كمثل شخص غارق بالذنوب وقد فضح أمام الناس ،وهم يقولون له: هل هذه الفضيحة خير ،أم الفخر والعزّة والشرف ؟
وأمّا «زقّوم » فقد قال أهل اللغة: إنّه اسم نبات مرّ وذي طعم ورائحة كريهة{[3764]} .
فيما قال بعض المفسّرين: إنّه اسم نبات يحمل أوراقاً صغيرة مرّة وكريهة الرائحة وهو موجود في أرض تهامة ،وكان يعرفه المشركون{[3765]} .وأضاف صاحب تفسير ( روح المعاني ) أنّ لهذا النبات لبن إذا أصاب جسد إنسان تورّم{[3766]} .
وقال الراغب في ( مفرداته ): الزقّوم هو كلّ غذاء يثير اشمئزاز أهل جهنّم .
وقال صاحب كتاب ( لسان العرب ): هذا اللفظ يأتي أساساً بمعنى بلع الشيء ،ويضيف: عندما نزلت هذه الآية قال أبو جهل ،لا توجد مثل هذه الشجرة في أرضنا ،فمن منكم يعرف معنى زقّوم ؟
وهنا أجابه شخص من أفريقيا قائلا: الزقّوم بلغة أهل أفريقيا تعني الزبد والتمر ،وفور ما سمع أبو جهل بجواب الأفريقي ،نادى جاريته ،وقال لها باستهزاء: زقمّينا بمقدار من التمر والزبد .فكانوا يأكلون ويسخرون ويقولون: إنّ محمّد يخوّفنا من هذا في الآخرة ،فنزلت آيات قرآنية قاطعة وحازمة تردّ على أبي جهل وبقيّة المشركين سنتطرّق إليها فيما بعد .
على كلّ حال فإنّ كلمة ( شجرة ) لا تأتي دائماً بمعناها المعروف ،وإنّما تعني في بعض الأحيان ( النبات ) والقرائن هنا تشير إلى أنّ المراد من الشجرة هو المعنى الثاني أي ( النبات ) .