أمّا آخر آية في بحثنا فإنّها تستثني جماعة من العذاب الإلهي ( إلاّ عباد الله المخلصين ) .
الملاحظ أنّ هذه الآية تشير إلى عاقبة هذه الاُمم ،وتدعو إلى التمّعن في العذاب الأليم الذي ابتلوا به ،والذي أهلكهم وأبادهم جميعاً ما عدا عباد الله المؤمنين والمخلصين الذين نجوا من هذا العذاب{[3768]} .
وجدير بالذكر أنّ كلمة ( المخلصين )بفتح اللامكرّرت خمس مرّات ،وهذا بيان لعلو منزلتهم ومرتبتهم ،وكما أشرنا سابقاً فإنّ عباد الله المخلصين هم الصفوة التي تسلّحت بالعلم والإيمان ،وانتصرت على النفس بعد مجاهدتها ،وهم الذين أخلصهم الله لنفسه وأزال عنهم الشوائب ليجعلهم خالصين ،ولهذا فإنّهم يمتلكون الحصانة الكاملة تجاه الانحرافات والزلل .
والشيطان عاجز وآيس من النفوذ إلى داخلهم ،إذ قطع عليه الطريق المؤدّي إليهم منذ اليوم الأوّل ،واعترف هو بعجزه هذا .
كذلك فإنّ فتن المجتمع الذي يعيشون فيه ووساوس الغاوين ،إضافة إلى وجود المتّبعين لنهج آبائهم وأجدادهم الأوّلين ،والثقافة الخاطئة والطاغوتية ،لا تؤثّر أبداً على عباد الله المخلصين ولا تحرفهم عن مسيرتهم .
حقيقة الأمر ،أنّ هذه الآية هي خطاب اطمئنان لمؤمني مكّة المقاومين والصامدين في ذلك الوقت ،وإنّها دعوة لمسلمي عالم اليوم المليء بالفتن ،تدعوهم إلى الانفصال عن صفوف أعداء الله والانضمام إلى عباد الله المخلصين .