الآية التالية تضيف: ( أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتّقين كالفجّار ):
كما أنّ عدم وجود هدف من خلق العالم يعدّ أمراً مستحيلا ،فمن المستحيل أيضاً المساواة بين الصالحين والطالحين ،لأنّ المجموعة الاُولى كانت تخطو خطواتها وفق أهداف خلق العالم للوصول إلى الغاية النهائية ،بينما كانت المجموعة الثانية تسير باتجاه مخالف لمسير المجموعة الاُولى .
الواقع أنّ بحث المعاد بكافّة أبعاده قد تمّ تناوله في هذه الآية والآية التي سبقتها بشكل مستدلّ .
فمن جهة تقول: إنّ حكمة الخالق تقتضي أن يكون لخلق العالم هدف ،وهذا الهدف لا يتحقّق بعدم وجود عالم آخر ،لأنّ الأيّام القلائل التي يعيشها الإنسان في هذه الدنيا لا قيمة لها بالنسبة للهدف الرئيسي الكامن وراء خلق هذا العالم الواسع .
ومن جهة أخرى ،فإنّ حكمة وعدالة الباري عزّ وجلّ تفرض أن لا يتساوى المحسن والمسيء والعادل والظالم ،ولهذا كان البعث والثواب والعقاب والجنّة والنار .
وبغضّ النظر عن هذا ،فعندما ننظر إلى ساحة المجتمع الإنساني في هذه الدنيا نشاهد الفاجر في مرتبة المؤمن ،والمسيء إلى جانب المحسن ،ولربّما في أكثر الأحيان نرى المفسدين المذنبين يعيشون في حالة من الرفاه والتنعّم أكثر من غيرهم ،فإذا لم يكن هناك عالم آخر بعد عالمنا هذا لتطبيق العدالة هناك ،فإن وضع العالم هذا مخالف «للحكمة » و ( للعدالة ) ،وهذا هو دليل آخر على مسألة المعاد .
وبعبارة أخرى ،فلإثبات مسألة المعادأحياناًيمكن الاستدلال عليها عن طريق برهان ( الحكمة ) وأحياناً أخرى عن طريق برهان ( العدالة ) ،فالآية السابقة استدلال بالحكمة ،والآية التي بعدها استدلال بالعدالة .
ملاحظتان:
2لمن تعني هذه الآيات ؟
جاء في إحدى الروايات التي تفسّر قوله تعالى: ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) بأنّها إشارة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وأنصاره ،في حين أنّ بقيّة الآية ( المفسدين في الأرض ) إشارة إلى أعدائه .
وجاء في حديث آخر نقله ( ابن عساكر ) عن ابن عبّاس ،في أنّ المقصودين في الآية ( الذين آمنوا ) «علي » و «حمزة » و «عبيدة » الذين واجهوا في معركة بدر كلا من «عتبة » و «الوليد » و «شيبة » ورموز جيش الكفر والشرك ( وتمكّنوا من قتلهم في ساحة المعركة .فبهذا يكون عتبة والوليد وشيبة هم المقصودين في الآية ( المفسدين في الأرض ) .
الواضح من معنى هذه الرّوايات أنّها لا تحصر مفهوم الآية في أفراد معينين ،وإنّما هي بيان لأسباب النّزول ،أو أنّها مصداق واضح وبارز لهذه الآية .