الآية الأخيرة في بحثنا هذا تشير إلى موضوع يوضّحفي حقيقة الأمرالهدف من الخلق ،إذ جاء في الآية الكريمة: ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته وليتذكّر اُولوا الألباب ) .
فتعليماته خالدة ،وأوامره عميقة وأصيلة ،ونظمه باعثة للحياة وهادية للإنسان إلى الطريق المؤدّي إلى اكتشاف هدف الخلق .
فالهدف من نزول هذا الكتاب العظيم لم يقتصرفقطعلى تلاوته وتلفّظ اللسان به ،بل لكي تكون آياته منبعاً للفكر والتفكّر وسبباً ليقظة الوجدان ،لتبعث بدورها الحركة في مسير العمل .
كلمة ( مبارك ) تعني شيئاً ذا خير دائم ومستمر ،أمّا في هذه الآية فإنّها تشير إلى دوام استفادة المجتمع الإنساني من تعليماته ،ولكونها استعملت هنا بصورة مطلقة ،فإنّها تشمل كلّ خير وسعادة في الدنيا والآخرة .
وخلاصة الأمر ،فإنّ كلّ الخير والبركة في القرآن ،بشرط أن نتدبّر في آياته ونستلهم منها ونعمل بها .
ملاحظة:
التقوى والفجور أمام بعضهما البعض:
في الآيات المذكورة أعلاه ،ورد الفساد في الأرض في مقابل الإيمان والعمل الصالح ،والفجور ( الذي يعني تمزيق حجب الدين ) في مقابل التقوى والورع .
هل أنّ هذين الاثنين ،يوضّحان حقيقة واحدة في عبارتين ،أم أنّهما يوضّحان موضوعين ؟من غير المستبعد أن يكون الاثنان تأكيداً لمعنى واحد ،لأنّ ( المتّقين ) هم المؤمنون أصحاب العمل الصالح و ( الفجّار ) هم المفسدون في الأرض .
ويحتمل في أن تكون الجملة الاُولى هي إشارة إلى الجوانب العملية والعقائدية لكلا الطرفين ،إذ تقارن بين أصحاب العقائد الصحيحة والأعمال الصالحة وبين أصحاب العقائد الفاسدة والأعمال الخبيثة ،في حين أنّ الجملة الثانية تشير فقط إلى الجانب العملي .
ويحتمل أيضاً أنّ ( التقوى والفجور ) شاهدان على كمال ونقص الإنسان ،والعمل الصالح والفساد في الأرض شاهدان على الجوانب الاجتماعية ،ولكن التأكيد يعدّ أنسب .