الآية التي تليها تبدأ من توحيد الرّبوبية وتنتهي بتوحيد الخالقية والرّبوبية .فتقول أوّلا: ( ذلكم الله ربّكم ) و مربيكم الذي من صفاته أنّه: ( خالق كلّ شيء ) .
ولا معبود إلاّ الله: ( لا إله إلا هو ) .
في الواقع إنّ وجود كلّ هذه النعم دليل على الربوبية والتدبير ،وخالق كلّ شيء عنوان لصفة التوحيد في الربوبية ،لأنّ الخالق هو المالك والمربي .ومن المعلوم أنّ الخلق يستدعي الرعاية الدائمة لأن الخالقية لا تعني أنّ الله يخلق الخلق ويتركها وشأنها ،بل لابدّ وأن يكون الفيض الالهي مستمراً في كلّ لحظة على جميع الموجودات .ولذلك فهذه الخالقية لا تنفصل عن الرّبوبية .
ومن الطبيعي أن هذا الإله هو الوحيد الذي يستحق العبادة ،وأن ترجع إليه الأشياء .
لذا فإنّ جملة ( خالق كلّ شيء ) تعتبر الدليل ل( ذلكم الله ربّكم ) وإنّ ( لا إله إلا هو ) هي النتيجة لذلك .
وتتساءل الآية في نهايتها: كيف يسوّغ الإنسان لنفسه الانحراف والتنكّب عن الجادة المستقيمة ؟فيقول تعالى: ( فأنّى تؤفكون ){[3959]} .
ولماذا تتركون عبادة الله الواحد الأحد إلى عبادة الأصنام ؟
والملاحظ أن «تؤفكون » صيغة مجهول ،بمعنى أنّها تحرفكم عن طريق الحق ،وكأنّ المراد هو أنّ المشركين فاقدون للإرادة الى درجة أنّهم يساقون في هذا المسير دون اختيار أيّ نسبة من الحرية والإرادة والاختيار في هذا المجال !