ثم تشير الآية الثانية إلى العذاب الدنيوي لهؤلاء فتقول: ( وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم ) حيث قام هؤلاء الجلساء بتصوير المساوئ لهم حسنات .
«قيضنا » من ( قيض ) على وزن ( فيض ) وتعني في الأصل قشرة البيضة الخارجية ،ثمّ قيلت لوصف الأشخاص الذين يسيطرون على الإنسان بشكل كامل ،كسيطرة القشرة على البيضة .
وهذه إشارة إلى أنّ أصدقاء السوء والرفاق الفاسدين يحيطون بهم من كل مكان ،حيث يصادرون أفكارهم ،ويهيمنون عليهم بحيث يفقدون معه قابلية الإدراك والإحساس المستقل ،وعندها ستكون الأمور القبيحة السيئة جميلة حسنة في نظرهم ،وبذلك ينتهي الإنسان إلى الوقوع في مستنقع الفساد وتغلق بوجهه أبواب النجاة .
في بعض الأحيان تستخدم كلمة «قيضنا » لتبديل شيء مكان شيء آخر ،ووفقاً لهذا المعنى سيكون مقصود الآية ،هو أنّنا سنأخذ منهم الأصدقاء الصالحين ونسلب منهم رفاق الخير ،لنبدلهم بأصدقاء السوء والقرناء الفاسدين .
لقد ورد هذا المعنى بشكل أوضح في الآيتين ( 3637 ) من سورة «الزخرف » في قوله تعالى: ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين وإنّهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنّهم مهتدون ) .
إنّ التمعّن بالمجتمعات الفاسدة والفئات المنحرفة الضالة ينتهي بنابسهولةإلى اكتشاف آثار أقدام الشياطين في حياتهم ،إذ يحاصرهم رفاق السوء وقرناء الشر من كلّ جانب وصوب ،ويسيطرون على أفكارهم ويقلبون لهم الحقائق .
قوله تعالى: ( مابين أيديهم وما خلفهم ) لعله إشارة لإحاطة الشياطين من كل جانب وتزيين الأُمور لهم .
وقيل أيضاً في تفسيرها أنّ ( ما بين أيديهم ) إشارة إلى لذات الدنيا وزخارفها ،( وما خلفهم ) هو إنكار القيامة والبعث .
وقد يكون ( ما بين أيديهم ) إشارة إلى وضعهم الدنيوي ( وما خلفهم ) إلى المستقبل الذي سينتظرهم وأبناءهم ،إذ عادة ما يرتكب هذه الجرائم تحت شعار تأمين المستقبل .
وبسبب هذا الوضع تضيف الآية بأن الأمر الإلهي صدر بعذابهم وان مصيرهم هو مصير الأمم السالفة: ( وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس ){[4021]} .
ثم تنتهي الآية بقوله تعالى: ( إنهم كانوا خاسرين ) .
إنّ هذه الآيات تعتبرفي الواقعالصورة المقابلة والوجه الآخر ،وسوف تتحدث الآيات القادمة عن المؤمنين الصالحين المنصورين في الدنيا والآخرة بالملائكة التي تبشرهم بكل خير ،وتكشف عنهم الغم والحزن .