وهؤلاءكمحاولة منهم لثني الرّسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن دعوته ،وإيغالا منهم في الغي وفي زرع العقباتيتحدثون عند رسول الله بعناد وعلو وغرور حيث يحكي القرآن عنهم: ( وقالوا قلوبنا في أكنة ممّا تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب ) .
مادام الأمر كذلك فاتركنا وشأننا ،فاعمل ما شئت فإننا عاكفون على عملنا: ( فاعمل إنّنا عاملون ) .
حال هؤلاء كحال المريض الأبله الذي يهرب من الطبيب الحاذق ،ويحاول أن يبعد نفسه عنه بشتى الوسائل والأساليب .
إنّهم يقولون: إنّ عقولنا وأفكارنا موضوعة في علب مغلقة بحيث لا يصلها شيء .
«أكنّة » جمع «كنان » وتعني الستار .أي أن الأمر لا يقتصر هنا على ستار واحد ،بل هي ستائر من العناد والتقليد الأعمى ،وأمثال ذلك ممّا يحجب القلوب ويطبع عليها .
وقالوا أيضاً: مضافا إلى أنّ عقولنا لا تدرك ما تقول ،فإنّ آذاننا لا تسمع لما تقول أيضاً ،وهي منهم إشارة إلى عطل المركز الأصلي للعمل والوسائل المساعدة الأُخرى .
وبعد ذلك ،فإن بيننا وبينك حجاب سميك ،بحيث حتى لو كانت آذاننا سالمة فإننا لا نسمع كلامك ،فلماذاإذاً تتعب نفسك ،لماذا تصرخ ،تحزن ،تقوم بالدعوة ليلا ونهاراً ؟اتركنا وشأننا فأنت على دينك ونحن على ديننا .
هكذا ...بمنتهى الوقاحة والجهل ،يهرب الإنسان بهذا الشكل الهازل عن جادة الحق .
والطريف أنّهم لم يقولوا: «وبيننا وبينك حجاب » بل أضافوا للجملة كلمة «من » فقالوا: ( ومن بيننا وبينك حجاب ) وذلك لبيان زيادة التأكيد ،لأنّ بزيادة هذه الكلمة يصبح مفهوم الجملة هكذا: إنّ جميع الفواصل بيننا وبينك مملوءة بالحجب ،وطبيعي أن يكون حجاب مثل هذا سميكاً عازلا للغاية ليستوعب كلّ الفواصل بين الطرفين ،وبذلك سوف لا ينفع الكلام مع وجود هذا الحجاب .
وقد يكون الهدف من قول المشركين: ( فاعمل إنّنا عاملون ) محاولتهم زرع اليأس عند النّبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .أو قد يكون المراد نوعاً من التهديد له ،أي اعمل ما تستطيعه ونحن سوف نبذل ما نستطيع ضدّك وضدّ دينك ،والتعبير يمثل منتهى العناد والتحدي الأحمق للحق ولرسالاته .