فإنّ الآية التي بعدها تضيف: ( ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ) على الهداية .
إلاّ أنّ الإيمان الإجباري ليست له قيمة ،وكيف يمكن لمثل هذا الإيمان أن يكون معياراً للكمال الإنساني ؟
إنّ التكامل الحقيقي هو أن يسير الإنسان بإرادته وبمنتهى الإختيار والحرية .
إنّ الآيات القرآنية مليئة بأدلة حرية الإنسان ،ومثل هذا الإختيار هو ما يميّز الإنسان عادة عن غيره من الكائنات الأُخرى ،وإذا سلبت منه إرادته واختياره فكأنما سلبت منهُ إنسانيتهُ .
وكما أن سمة الحرية والإختيار طريق إلى التكامل ،فهي أيضاً سنّة إلهيةلا قبل التغيير .
ولكن العجيب أمر البعض الذين ما زالوا على عقيدة الجبر ،وهم يدعون أتباعهم للأنبياء ،في حين أنّ قبول الجبر يساوي في الواقع نفي مضمون دعوة جميع الأنبياء ،فلا معنى للتكليف حينئذ ،ولا للحساب والسؤال والجواب ،ولا النصيحة والموعظة ،وبشكل أولى الثواب والعقاب !
ومع عقيدة الجبر لا معنى لتردُّد الإنسان في أعماله ،ولا معنى لندمه وعزيمته على تصحيح الأخطاء !
تشير الآية بعد ذلك إلى وصف أهل الجنّة والسعادة حيال أهل النّار ،فيقول تعالى: ( ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير ) .
وعندما يشخّص أهل النّار بوصف «الظلم » فيبيّن أنّ المراد من «من يشاء » في الجملة الأولى هم المجموعة التي لا ترتكب الظلم .
وعلى هذا الأساس يكون أهل العدل هم أصحاب الجنّة في مقابل أهل الظلم الذي هم أهل النّار .
ولكن ينبغي الإنتباه إلى أنّ «ظالم » هنا ،وفي العديد من الآيات القرآنية الأُخرى لها معنى واسع ولا تشمل الذين يظلمون غيرهم فقط ،بل تشمل الذين يظلمون أنفسهم أيضاً ،وتشمل المنحرفين عقائدياً ،وهل هناك ظلم أعلى من الشرك والكفر ؟
يقول لقمان لابنه وهو يعظه: ( يا بني لا تشرك بالله إنّ الشرك لظلم عظيم ){[4088]} .
وفي آية اُخرى نقرأ قوله تعالى: ( ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً وهم بالآخرة كافرون ) .
وقال بعضهم في الفرق بين «ولي » و «نصير » أنّ «الولي » الذي يقوم بمساعدة الإنسان دون طلبه .أما النصير فأعم من ذلك{[4089]} .
ويحتمل أن تشير كلمة «ولي » إلى المشرف الذي يقوم بالحماية والمساعدة بحكم ولايته ودون أي طلب .
أمّا «النصير » فالذي يقوم بنصر الإنسان ومساعدته بعد أن يطلب العون .