كما نلاحظ التفصيل في الآيات اللاحقة بعد هذا الإجمال حيث يقول سبحانه: ( إنّا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في يوم نحس مستمر ) .
«صرصر » من مادّة ( صرّ ) على وزن ( شرّ ) ،وفي الأصل تعني ( الإغلاق والإحكام ) ويأتي تكرارها في هذا السياق للتأكيد ،ولأنّ الرياح التي عذّبوا بها كانت باردة وشديدة ولاذعة ومصحوبة بالأزيز ،لذا أطلق عليها ( صرصر ) .
أمّا ( نحس ) ففي الأصل معناها ( الاحمرار الشديد ) الذي يظهر في الأفق أحياناً ،كما يطلق العرب أيضاً كلمة ( نحاس ) على وهج النار الخالية من الدخان ،ثمّ أطلق هذا المصطلح على كلّ ( شؤم ) مقابل ( السعد ) .
«مستمر » صفة ل ( يوم ) أو ل ( نحس ) ومفهومه في الحالة الأولى هو استمرار حوادث ذلك اليوم كما في قوله تعالى: ( سخّرها عليهم سبع ليال وثمانية أيّام حسوماً ،فترى القوم فيها صرعى كأنّهم أعجاز نخل خاوية ){[4869]} .
وتعني في الحالة الثانية استمرار نحوسة ذلك اليوم حتّى هلك الجميع .
كما يفسّر البعض معنى ( النحس ) بأنّه حالة الجو المكفهر المغبّر ،لأنّ العاصفة كانت مغبرة إلى درجة أنّها لم تسمح برؤية بعضهم البعض .وعندما شاهدوا العاصفة من بعيد ظنّوا أنّها غيوم محملة بالأمطار متّجهة نحوهم ،وسرعان ما تبيّن لهم أنّها ريح عاتية لا تبقي ولا تذر أُمرت بعذابهم والانتقام منهم ،كما في قوله تعالى: ( فلمّا رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم ){[4870]} .
إنّ هذين التّفسيرين غير متنافيين ،ويمكن جمعهما في معنى الآية الكريمة مورد البحث .
/خ22