( وقليل من الآخرين ) .
( ثلّة ) كما يقول الراغب في المفردات تعني في الأصل قطعة مجتمعة من الصوف ،ثمّ تحوّلت إلى معنى مجموعة من الأشخاص .
وأخذها البعض أيضاً من ( ثلّ عرشه ) بمعنى سقط وأنهار ،يقال ( سقط عرشه وانقلعت حكومته ) واعتبرها البعض ( قطعة ) ،وذلك بقرينة المقابلة ب ( قليل من الآخرين ) يكون المعنى القطعة العظيمة .
وطبقاً لهاتين الآيتين فإنّ قسماً كبيراً من المقرّبين هم من الأمم السابقة ،وقسم قليل منهم فقط هم من اُمّة محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
ويثار سؤال هنا وهو: كيف يتناسب العدد القليل من مقرّبي اُمّة محمّد مع الأهميّة البالغة لهذه الأمة التي وصفها القرآن الكريم بأنّها من أفضل الأمم ؟قال تعالى: ( كنتم خير اُمّة أخرجت للناس ..){[4981]} .
وللجواب على هذا السؤال يجدر الالتفات إلى نقطتين:
الأولى: إنّ المقصود من المقرّبين هم السابقون في الإيمان ،ومن المسلّم أنّ السابقين لقبول الإسلام في الصدر الأوّل منه كانوا قلّة ،أوّلهم من الرجال الإمام علي ( عليه السلام ) ،ومن النساء خديجة ( رض ) ،في الوقت الذي نعلم أنّ كثرة الأنبياء السابقين وتعدّد أممهم ،ووجود السابقين في كلّ اُمّة يؤدّي إلى زيادتهم من الناحية العددية .
والنقطة الثانية: أنّ الكثرة العددية ليست دليلا على الكثرة النوعية ؛حيث يمكن أن يكون عدد السابقين في هذه الأمة قليلا ،إلاّ أنّ مقامهم أفضل كثيراً ،كما هو المعروف بين الأنبياء أنفسهم ،إذ يختلفون باختلاف درجاتهم: ( تلك الرسل فضّلنا بعضهم على بعض ){[4982]} .
وممّا يلزم ذكره أنّ قسماً من المؤمنين لم يندرجوا في زمرة السابقين في الإيمان ،مع توفّر الصفات والخصوصيات فيهم والتي تجعلهم بنفس درجة السابقين من حيث الأجر والجزاء ،لذلك فقد نقل في بعض الرّوايات عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) أنّه قال: «نحن السابقون السابقون ونحن الآخرون »{[4983]} .
وجاء في رواية عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه خاطب مجموعة من أصحابه فقال لهم: «أنتم السابقون الأوّلون والسابقون الآخرون ،والسابقون في الدنيا إلى ولايتنا ،وفي الآخرة إلى الجنّة »{[4984]} .
ومن الجدير بالملاحظة أنّ بعض المفسّرين فسّر «الأوّلين والآخرين » ب ( الأوّلين في الأمة الإسلامية والآخرين فيها ) وانسجاما مع هذا الرأي فإنّ جميع المقرّبين هم من الأمة الإسلامية .
إلاّ أنّ هذا التّفسير لا يتناسب مع ظاهر الآيات والرّوايات التي وردت في ذيل هذه الآيات ،حيث أنّها عرّفت أشخاصاً من الأمم السابقة بالخصوص بعنوان أنّهم من السابقين الأوّلين .