التّفسير
أولئك أعداء الله:
إذا كانت آخر جملة في الآيات السابقة تحثّ الجميع بضرورة الالتزام بالحدود الإلهيّة وعدم تجاوزها ،فإنّ الآيات مورد البحث لا تتحدّث عن الأشخاص الذين تجاوزوا حدود الله فحسب ،بل عن الذين حاربوا الله ورسوله ،وتوضّح عاقبتهم ومصيرهم في هذه الدنيا والعالم الآخر كذلك .
يقول سبحانه في البداية: ( إنّ الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم ) .
«يحادون » من مادّة ( محادة ) بمعنى الحرب المسلّحة والاستفادة من الحديد وتقال أيضاً للحرب غير المسلّحة .
وقال البعض: إنّ ( المحادّة ) في الأصل بمعنى الممانعة من مادّة ( حدّ ) والتي تجيء بمعنى المانع بين شيئين ،ولذلك يقال للحارس ( حداد ) ،والمعنيان من حيث النتيجة متقاربان بالرغم من أنّهما مأخوذان من أصلين مختلفين .
«كبتوا » من مادّة ( كبت ) على وزن ( ثبت ) بمعنى المنع بذلّة ،و ( كبتوا ) إشارة إلى أنّ الله تعالى يجعل جزاء المحاربين لله ورسوله الذلّة والهوان ويمنعهم من لطفه الشامل{[5140]} .
وهذا التعبير شبيه ما ورد في الآية ( 114 ) من سورة البقرة التي تتحدّث عن الأشخاص الذين يمنعون الناس من المساجد وعبادة الله سبحانه ،ويحاربون مبدأ الحقّ حيث يقول سبحانه: ( لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب أليم ) .
أو كما ورد في الآية ( 33 ) من سورة المائدة في الحديث عن مصير الأشخاص الذين يحاربون الله ورسوله ويفسدون في الأرض حيث يقول: ( ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) .
ثمّ يضيف الباري سبحانه: ( وقد أنزلنا آيات بيّنات ) .
وبناءً على هذا فقد تمّت الحجّة بشكل كامل ،ولم يبق عذر ،وحجّة للمخالفة ،ومع ذلك فإن خالفوا ،فلابدّ من أن يجازوا ،ليس في هذه الدنيا فحسب ،بل في القيامة: ( وللكافرين عذاب مهين ) .
وبهذه الصورة فقد أشير إلى عذابهم الدنيوي في الجملة السابقة ،وفي هذه الجملة إلى العذاب الأخروي ،والشاهد على هذا المعنى في الآية الكريمة التالية: ( كما كبت الذين من قبلهم ) كما أنّ الآية اللاحقة تؤكّد هذا المعنى أيضاً .
وعلى كلّ حال فإنّ هذا التهديد الإلهي للأشخاص الذين يقفون بوجه الرّسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والقرآن الكريم قد تحقّق ،حيث واجهوا الذلّة والانكسار في غزوة بدر وخيبر والخندق وغير ذلك ،وأخيراً في فتح مكّة حيث كسرت شوكتهم وأُحبط كيدهم بانتصار الإسلام في كلّ مكان .