/م1
وهذا اللون من الكفّارة في الحقيقة له أثر عميق على الإنسان ،حيث أنّ الصوم بالإضافة إلى أنّه وسيلة لتنقية الروح وتهذيب النفس ،فإنّ له تأثيراً عميقاً وفاعلا في منع تكرّر مثل هذه الأعمال في المستقبل .
ومن الواضحكما في ظاهر الآيةأنّ مدّة الصوم يجب أن تكون ستّين يوماً متتابعاً ،وكثير من فقهاء أهل السنّة أفتوا طبقاً لظاهر الآية ،إلاّ أنّه قد ورد في روايات أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) أنّ المكلّف إذا صام أيّام قلائل حتّى ولو يوماً واحداً بعد صوم الشهر الأوّل ،فإنّ مصداق التتابع في الشهرين يتحقّق ،وهذا الرأي حاكم على ظاهر الآية{[5137]} .
وهذا يوضّح لنا أنّ المقصود من التتابع في الآية أعلاه والآية ( 92 ) من سورة النساء في موضوع كفّارة القتل غير المتعمّد،أنّ المقصود هو التتابع بصورة إجمالية .
وطبيعي أنّ مثل هذا التّفسير لا يسمع إلاّ من إمام معصوم ،حيث أنّه وارث لعلوم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهذا النوع من الصيام يكون تسهيلا للمكلّفين .
( تراجع الكتب الفقهية في الصوم وأبواب الظهار وكفّارة القتل ،للحصول على شرح أوفى حول هذا الموضوع ){[5138]} .
وضمناً فإنّ المقصود من جملة: ( فمن لم يجد ) لا يعني عدم وجود أصل المال لديه ،بل المقصود منه ألاّ يوجد لديه فائض على احتياجاته وضروريات حياته كي يشتري عبداً ويحرّره .
ولأنّ الكثير من الناس غير قادرين على الوفاء بالكفّارة الثانية ،وهي صوم الشهرين المتتابعين ،فقد ذكر لذلك بديل آخر حيث يقول سبحانه: ( فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكيناً ) .
والظاهر من الإطعام أن يعطي غذاء يشبع الشخص في وجبة طعام ،إلاّ أنّ الروايات الإسلامية ذكرت أنّ المقصود بذلك هو ( مدّ ) لإطعام كلّ واحد ( والمدّ يعادل 750غم ) رغم أنّ بعض الفقهاء قد حدّدها بمدّين أي ما يعادل ( 500 ، 1 ) غم{[5139]} .
ثمّ يشير تعالى في تكملة الآية مرّة أخرى إلى الهدف الأساس لمثل هذه الكفّارات: ( ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله ) .
نعم إنّ إزالة الذنوب بوسيلة الكفّارات تقوّي أسس الإيمان ،وتربط الإنسان بالتعاليم الإلهيّة قولا وعملا .
وفي نهاية الآية يؤكّد سبحانه بصورة قاطعة على الالتزام بأوامره حيث يقول: ( وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم ) .
ويجدر الانتباه إلى أنّ مصطلح ( الكفر ) له معاني مختلفة ،منها «الكفر العملي » الذي يعني المعصية واقتراف الذنوب ،وقد أريد في الآية الكريمة هذا المعنى ،وكما جاء في الآية ( 97 ) من سورة آل عمران بالنسبة للمتخلّفين عن أداء فريضة الحجّ ،حيث يقول سبحانه:{ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإنّ الله غنيّ عن العالمين} .
«حدّ » بمعنى الشيء الذي يفصل بين شيئين ،ومن هنا يقال لحدود البلدان ( حدود ) وبهذا اللحاظ يقال للقوانين الإلهية إنّها حدود ،وذلك لحرمة تجاوزها ،ولدينا شرح أوفى في هذا المجال في نهاية الآية ( 187 ) من سورة البقرة .
/خ4