/م1
المفردات:
ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله: ذلك التغليظ في الكفارة لكي تعلموا بشرائع الله التي شرعها ،فلا تعودوا إلى الظهار الذي هو من شرائع الجاهلية .
حدود الله: أحكام شريعته التي لا يحل تركها .
للكافرين: الذين يتعدون الأحكام ولا يعملون بها .
التفسير
4-{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .
تفيد الآيات ما يأتي:
من قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي ،ثم ندم ورغب في الرجوع إلى الحياة الزوجية مع زوجته ،فعليه كفارة بفعل واحدة من ثلاث على الترتيب:
أولا: عتق رقبة ،فإن عجز عن ذلك – كما في هذه الأيام لعدم وجود أرقاء أصلا – انتقل إلى الكفارات الأخرى .
ثانيا: صيام ستين يوما متتابعة من قبل أن يجامع زوجته .
ثالثا: إذا عجز عن الصيام ،فإنه يطعم ستين مسكينا طعاما مشبعا كافيا .
وهذه الأمور على الترتيب ،فلا يلجأ إلى الصيام إلا عند العجز عن عتق رقبة ،ولا يلجأ إلى الإطعام إلا عند العجز عن صيام ستين يوما متتابعة ،فإذا عجز عن الصيام أطعم ستين مسكينا إطعاما مشبعا .
وذهب الشافعي وغيره إلى أنه يكفيه إعطاء مد واحد لكل مسكين ،ورأى أبو حنيفة جواز إعطاء مد واحد لكل مسكين ،ورأى أبو حنيفة جوز إعطاء القيمة ،بل هي أفضل إذا كانت أنفع للفقير .
ويمكن تقدير قيمة إطعام الفقراء التي قدرها العلماء بخمسة جنيهات عن كل فرد في شهر رمضان سنة 1421 ه ،فنقول: يعطي لستين مسكينا ،كل مسكين منهم خمسة جنيهات ،أو ما يعادلها ،فمن تطوع خيرا فهو خير له ،بأن يضاعف القيمة إذا كان من أهل اليسر ،فيعطي لكل مسكين 10 جنيهات*60=600 جنيه ( ستمائة جنيه ) ،مقدار الكفارة للمظاهر من زوجته .
{ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .
لقد شددنا العقوبة حتى يرتدع المتلاعبون بحرمات الله ،وتكون هذه العقوبة رادعا للمعتدين ،ليعودوا إلى طريق الإيمان بالله ورسوله ،واحترام أوامر الشرع ،والالتزام بآداب الدين ،وهذه حدود الله وأحكامه الفاصلة بين الحق والباطل ،فالزموها وقفوا عندها ،ومن استهان بحدود الله ،وصد عن شرائعه ،وكفر بهديه ،فله عذاب أليم موجع في الآخرة .
وإطلاق لفظ الكافرين على المتعدي على حدود الله للزجر والردع .
كما قال سبحانه وتعالى: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين .( آل عمران: 97 ) .
في أعقاب الآيات
في هذه الآيات الكريمة تكريم المرأة ،ورفع لغبن الجاهلية عنها ،حيث نهى القرآن عن الظهار واعتبره منكرا وزورا ،ثم سجل عقوبة كبيرة على قائله ،ليرده إلى حظيرة الإيمان ،ولم تكن الآيات أحكاما شرعية فحسب ،وإنما ضمت إلى ذلك تكريم المرأة وإنصافها ،واستجابة السماء لها ،ولا عجب إذ رأينا الخلفاء يكرمون المرأة ،ويستمعون لشئونها ويلبون طلبها ،ويكرمون خولة بنت ثعلبة ،ويقولون: قد سمع الله تعالى لها .
من التفسير الوسيط بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ،وتفسير ابن كثير:
روى ابن أبي حاتم ،والبيهقي في الأسماء والصفات: أن خولة بنت ثعلبة رأت عمر رضي الله عنه وهو يسير مع الناس ،فاستوقفته ،فوقف لها ودنا منها وأصغى إليها ووضع يده على منكبيها حتى قضت حاجتها وانصرفت ،فقال له رجل: يا أمير المؤمنين ،حبست رجال قريش على هذه العجوز ،قال: ويحك ،أتدري من هذه ؟قال: لا ،قال: هذه امرأة سمع الله لشكواها من فوق سبع سماوات ،هذه خولة بنت ثعلبة ،والله لو لم تنصرف حتى أتى الليل ما انصرفت حتى تقضي حاجتها . v
وفي رواية أخرى: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه والناس معه على حمار ،فاستوقفته طويلا ووعظته ،وقالت: يا عمر ،قد كنت تدعى عميرا ،ثم قيل لك: عمر ،ثم قيل لك: يا أمير المؤمنين ،فاتق الله يا عمر ،فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت ،ومن أيقن بالحساب خاف العذاب – وهو واقف يسمع كلامها – فقيل له: يا أمير المؤمنين ،أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف ؟فقال: والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لازلت إلى الصلاة المكتوبة ،أتدرون من هذه العجوز ؟هي خولة بنت ثعلبة ،سمع الله قولها من فوق سبع سماوات ،أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر ؟ vi