وتوجّه الآية اللاحقة حديثها للمؤمنين بعنوان استنتاج من حالة الشؤم والبؤس التي اعترت المنافقين وبني النضير والشياطين ،حيث يقول تعالى:{يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله ولتنظر نفس ما قدّمت لغد}{[5212]} .
ثمّ يضيف تعالى مرّة أخرى للتأكيد بقوله:{واتّقوا الله إنّ الله خبير بما تعملون} .
نعم ،التقوى والخوف من الله يدعوان الإنسان للتفكير بيوم غده ( القيامة ) بالإضافة إلى السعي إلى تنقية وتخليص وتطهير أعماله .
إنّ تكرار الأمر بالتقوى هنا تأكيد محفّز للعمل الصالح ،كما أنّ الرادع عن ارتكاب الذنوب هو التقوى والخوف من الله تعالى .
واحتمل البعض أنّ الأمر الأوّل للتقوى هو بلحاظ أصل إنجاز الأعمال ،أمّا الثاني فإنّه يتعلّق بطبيعة الإخلاص فيها .
أو أنّ الأوّل ملاحظ فيه إنجاز أعمال الخير ،بقرينة جملة ( ما قدّمت ) .والثاني ملاحظ فيه ما يتعلّق بتجنّب المعاصي والذنوب .
أو أنّ الأوّل إشارة إلى التوبة من الذنوب الماضية ،والثاني ( تقوى ) للمستقبل .
إلاّ أنّه لا توجد قرينة في الآيات لهذه التفاسير ،لذا فإنّ التأكّد أنسب .
والتعبير ب ( غد ) إشارة إلى يوم القيامة ،لأنّه بالنظر إلى قياس عمر الدنيا فإنّه يأتي مسرعاً ،كما أنّ ذكره هنا بصيغة النكرة جاء لأهميّته .
والتعبير ب ( نفس ) دلالة على مفرد ،ويمكن أن تعني كلّ نفس ،يعني كلّ إنسان يجب أن يفكّر ب ( غده ) بدون أن يتوقّع من الآخرين إنجاز عمل له ،وما دام هو في هذه الدنيا فإنّه يستطيع أن يقدّم لآخرته بإرسال الأعمال الصالحة من الآن إليها .
وقيل أنّه إشارة إلى قلّة الأشخاص الذين يفكّرون بيوم القيامة ،كما نقول: ( يوجد شخص واحد يفكّر بنجاة نفسه ) إلاّ أنّ التّفسير الأوّل هو الأنسب حسب الظاهر ،كما أنّ خطاب{يا أيّها الذين آمنوا} وعمومية الأمر بالتقوى ،دليل على عمومية مفهوم الآية .
/خ20