التّفسير:
يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم:
لاحظنا في الآيات السابقة موقف الإصرار والعناد لجموع أهل الكتاب من دعوة الرّسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رغم ما بشّر به المسيح ( عليه السلام ) حول ظهور رسول الإسلام ،وما اقترن بذلك من بيّنات ودلائل ومعاجز واضحة .
وتبيّن الآياتمورد البحثعاقبة هؤلاء ومصيرهم السيئ ونتيجة عملهم الخائب .
فيقول تعالى:{ومن أظلم ممّن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام} .
نعم ،إنّ أمثال هؤلاء المكذّبين لدعوة الرّسول الإلهي ،الذين يعتبرون ما يأتي الرّسول به من إعجاز سحراً ،وما يتحدّث به من مبادئ إلهية سامية ضلالا وباطلا ..فإنّ هؤلاء هم أظلم الناس ،لأنّهم يصدّون أنفسهم عن طريق الحقّ والهداية والنجاة ،ويصدّون سائر عباد الله عن منابع الفيض الإلهي ويحرمونهم من السعادة الأبدية .
ويضيف سبحانه في نهاية الآية:{والله لا يهدي القوم الظالمين} .
إنّ عمل الله سبحانه هو الهداية للحقّ ،وإنّ ذاته المقدّسة الطاهرة هي النور والضياء السامي:{الله نور السماوات والأرض} ولابدّ للهداية من استعداد وأرضية مناسبة في النفس الإنسانية كي تؤثّر فيها ،وهذا ما لا يحصل بالنسبة إلى الأشخاص الذين يجانبون الحقّ ويعرضون عن الحقيقة ويعادونها .
والآية الكريمة تؤكّد مرّة أخرى على حقيقة أنّ الهداية والضلالة بالرغم من أنّها من الله سبحانه ،إلاّ أنّ مقدّماتها وأرضيتها لابدّ أن تبدأ من الإنسان نفسه ،ولذا فلا جبر هنا .
جملة «وهو يدعى إلى الإسلام » إشارة إلى أنّ دعوة النبي الأكرم تتضمّن السلام في الدنيا والآخرة ونجاة الناس ،ومع ذلك فمثل هذا الإنسان يحطّم أساس سعادته بيده .
لقد تكرّرت عبارة ( من أظلم ) خمس عشر مرّة في القرآن الكريم وكانت آخرها في الآية مورد البحث ،بالرغم من أنّ ذكرها كان في موارد مختلفة حسب الظاهر .
ولعلّ هذه المسألة كانت منشأ لهذا التساؤل ،وهو: هل من الممكن أن يكون ( أظلم الناس ) يمثّل أكثر من صنف أو أكثر من جماعة ،وأنّها جاءت متكرّرة بلحاظ تعدّد أقسام الظالمين ؟
إنّ الملاحظة الدقيقة للآيات الكريمة تبيّن لنا أنّ السبب الأساس لذلك يرجع إلى مسألة منع الناس عن طريق الحقّ ،وتكذيب الآيات الإلهية ،وهذا هو منتهى الظلم ،كما أنّ الصدّ عن الوصول إلى الهدى والسعادة الأبدية وقيم الخير ،يمثّل أسوأ عمل وأعظم ظلم ،حيث المنع عن الخير كلّه وفي كافّة المجالات .