وتوضّح الآية اللاحقة علامات المنافقين بشكل أكثر وضوحاً ،إذ يقول تعالى: ( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم ) فهم يتمتّعون بظواهر جميلة وأجسام لطيفة .
( وإن يقولوا تسمع لقولهم ) لأنّه ينطوي على شيء من التحسين والعذوبة .
وفي الوقت الذي يتأثّر الرّسول بحديث بعضهمكما يبدو من ظاهر التعبيرفكيف بالآخرين ؟!
هذا فيما يخصّ ظاهرهم ،أمّا باطنهم ف ( كأنّهم خشب مسنّدة ) .
فأجسامهم خالية من الروح ،ووجوههم كالحة ،وكيانهم خاو منخور من الداخل ،ليس لهم أيّة إرادة ولا يتمتّعون بأيّة استقلالية ( كالأخشاب المسنّدة ) المكدّسة .
روى بعض المفسّرين في صفة رئيس المنافقين ( عبد الله بن أُبي ) «كان عبد الله بن أبي رجلا جسيماً صبيحاً فصيحاً ذلق اللسان ،وقوم من المنافقين في مثل صفته ،وهم رؤساء المدينة ،وكانوا يحضرون مجلس رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )فيستندون فيه ،ولهم جهارة المناظرة وفصاحة الألسن ،فكان النبي ومن حضر يعجبون بهياكلهم ويسمعون إلى كلامهم »{[5295]} .
وكان هؤلاء يتميّزون بالضعف والخواء في داخلهم ،لا يعرفون التوكّل والاعتماد على الله ولا على أنفسهم ،فهم كما يصفهم القرآن الكريم في آية أخرى: ( يحسبون كلّ صيحة عليهم ) .
يسيطر عليهم الخوف والرعب وسوء الظنّ ،وتغمر أرواحهم النظرة السوداء السيّئة ..تجدهم في خوف دائم من ظلمهم وخيانتهم حتّى اعتبر ذلك علامة مميّزة لهم ( الخائن خائف ) .
وقد نبّه القرآن الكريم في نهاية الآية قائلا: ( هم العدو فاحذرهم ) أي هم الأعداء الواقعيون .
ويضيف ( قاتلهم الله أنّى يؤفكون ) أي كيف ينحرفون عن الحقّ .
ولا يريد القرآن بهذا التعبير الإخبار ،وإنّما يريد لعنهم وذمّهم بشدّة ،وهو أشبه بالتعابير التي يستخدمها الناس في ذمّ بعضهم البعض .