/م14
التّفسير
أولادكم وأموالكم وسيلة لامتحانكم:
حذّر القرآن الكريم من مغبّة الوقوع في الحبّ المفرط للأولاد والأموال ،الذي قد يجرّ إلى عدم الطاعة لله ورسوله حيث قال: ( يا أيّها الذين آمنوا إنّ من أزواجكم وأولادكم عدوّاً لكم فاحذروهم ) .
إنّ هناك مظاهر عديدة لهذه العداوة ،فأحياناً يتعلّقون بثيابكم ليحرموكم خير الهجرة ،وأخرى ينتظرون موتكم ليسيطروا على أموالكم وثروتكم ،وما إلى ذلك .
وليس كلّ الأولاد ،ولا كلّ الزوجات كذلك ،لهذا جاءت «من » التبعيضيّة .
وتظهر هذه العداوة أحياناً بمظهر الصداقة وتقديم الخدمة ،وحيناً آخر تظهر بسوء النيّة وخبث المقصد .
وعلى كلّ حال فإنّ الإنسان يصبح على مفترق طريقين ،فطريق الله وطريق الأهل والأزواج ،ولا ينبغي أن يتردّد الإنسان في اتّخاذ طريق الله وإيثاره على غيره ،ففيه النجاة والصلاح في الدنيا والآخرة .وهذا ما أكّدت عليه الآية 23 من سورة التوبة: ( يا أيّها الذين آمنوا لا تتّخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبّوا الكفر على الإيمان ومن يتولّهم منكم فأولئك هم الظالمون ) .
ومن أجل أن لا يؤدّي ذلك إلى الخشونة في معاملة الأهل ،نجد القرآن يوازن ذلك بقوله في ذيل نفس الآية: ( وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإنّ الله غفور رحيم )فإذا ندموا واعتذروا والتحقوا بكم فلا تتعرّضوا لهم بعد ذلك ،واعفوا عنهم واصفحوا كما تحبّون أن يعفوا الله عنكم .
جاء في حديث الإفك أنّ بعض المؤمنين أقسموا أن يقاطعوا أقرباءهم الذين ساهموا في بثّ تلك الشائعة الخبيثة وترويجها ،وأن يمنعوا عنهم أي عون مالي ،فنزلت الآية 22 من تلك السورة: ( ولا يأتل اُولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا اُولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا ويصفحوا ألا تحبّون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) .
وكما يظهر من المعنى اللغوي فإنّ لغفران الذنب مستويات ثلاثة هي ( العفو ) بمعنى صرف النظر عن العقوبة ،و ( الصفح ) في مرتبة أعلى ،ويراد به ترك أي توبيخ ولوم ،و ( الغفران ) الذي يعني ستر الذنب وتناسيه ،وبهذا فانّ الآية في نفس الوقت الذي تدعو الإنسان إلى الحزم وعدم التسليم في مقابل الزوجة والأولاد فيما لو دعوه إلى سلوك خاطئ تدعوه كذلك إلى بذل العفو والمحبّة في جميع المراحل وكلّ ذلك من أساليب التربية السليمة وتعميق جذور التديّن والإيمان في العائلة .
/خ18