التّفسير
الخمس فرضُ إِسلامي مهم:
وجدنا في بداية هذه السورة كيف أنّ بعض المسلمين تشاجروا في شأن تقسيم الغنائم بعد غزوة بدر ،وقد أمر الله سبحانهدرءاً لأُصول الخلافأن توضع الغنائم تحت تصرف النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) لينفقها بما يراه صالحاً ،فقام بتقسيمها بالتساوي بين المقاتلين المسلمين .
وفي هذه الآية عود إلى مسألة الغنائم ،لتناسب الآيات التي سبقتها ،والتي كانت تتكلم على الجهاد ،إذ وجدنا في بعضها إشارات مختلفة لموضوع الجهاد ،ولما كان الجهاد يرتبط بمسألة الغنائم غالباً ،فكان في المقام تناسب بين الجهاد وبين ذكر أحكام الغنائم «بل سنلاحظ أن القرآن تعدى في حكمه إِلى أبعد من مسألة الغنائم ،ونظر إِلى جميع الموارد » .
يقول الحق سبحانه: ( واعلموا أنّما غنمتم من شيء فانّ لله خمسه وللرسول ولذي القربى ( الأئمّة من أهل البيت( عليهم السلام ) ) واليتامى والمساكين وابن السبيل )من ذرية الرسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) أيضاً .ويضيف مؤكّداً ( إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقانأي يوم بدريوم التقى الجمعان ) .
وينبغي الالتفات إِلى أنّه على الرغم من أنّ الخطاب في الآية موجه إِلى المؤمنين ،لأنّها تبحث في غنائم الجهاد الإِسلامي ،وبديهي أنّ المجاهد مؤمن ،لكنّها مع ذلك تقول: ( إن كنتم آمنتم بالله ) وفي ذلك إشارة إِلى أنّ إدعاء الإِيمان وحده لا يعدّ دليلا على الإِيمان ،بل حتى المشاركة في سوح الجهاد قد لا تكون دليلا على الإِيمان ،فقد تكون وراء ذلك أُمور أُخرى .فالمؤمن الكامل هو الذي يذعن لأوامر الله كافة وينقاد لها ،وخاصّة الأوامر والأحكام المالية ،ولا يأخذ ببعض ويترك بعضاً ،وتشير الآية في نهايتها إِلى قدرة الله غير المحدودة ،فتقول: ( واللّه على كل شيء قدير ) .
أي بالرغم من قلتكم يوم بدر وكثيرة عدوّكم في الظاهر ،لكن الله القادر خذلهم وأيدكم فانتصرتم عليهم .
ملاحظات
1يوم الفرقان بين الحق والباطل
سمّي يوم معركة بدر بيوم الفرقان بين الحق والباطل ،ويوم الالتقاء بين جماعة الكفر وجماعة الإِيمان ،وفي ذلك إشارة إِلى ما يلي:
أوّلا: إنّ يوم بدر ظهرت فيه الأدلة على صدق النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأنّه وعد المسلمين بالنصر قبل ذلك ،مع أنّ القرائن في الظاهر لم تكن دالة على ذلك ،ولقد اتّحدت تلك الأسباب بشكل غير متوقع فكان النصر ،وهو ما لا يمكن حمله على المصادفة والاتفاق فبناءً على ذلك فإن صدق الآيات التي نزلت على النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم )في ذلك اليوم كان كامناً في الآيات نفسها .
ثانياً: إنّ المعركة في بدر: «يوم التقى الجمعان » كانت في الواقع إحدى النعم الإِلهية الكبرى على المسلمين ،لأن بعضهم كان يخشاها في البداية ،لكن تلك المواجهة والنصر دفعا بهم خطوات كبيرة نحو الأمام ،إذ بلغ صداهم واشتهارهم بذلك أنحاء الجزيرة العربية ،ودعا الجميع للتفكّر في هذا الدين الجديد وقدرته المذهلة وكان ذلك اليوم يوماً شديداً على الأُمّة الإِسلامية القليلة آنئذ ،حيث امتاز به المؤمنون الصادقون عن المدعين الكاذبين ،فكان ذلك اليوم بكل جوانبه يوم الفرقان بين الحق والباطل .
2ذكرنا في بداية السورة عدم وجود تضادّ بين آية الأنفال وهذه الآية ،ولا موجب لاعتبار إحداهما ناسخة للأُخرى ،لأنّه بمقتضى آية الأنفال فإنّ الغنائم الحربية هي للنّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،إلاّ أنّه وهب أربعة أخماسها للمقاتلين المسلمين ،وادخر الخمس المتبقي للموارد التي ذكرتها الآية «ولمزيد الإِيضاح راجع بحثنا في تفسير الآية الأولى من هذه السورة » .
3ما هو المراد من ذي القربى ؟
ليس المراد في هذه الآية الأقرباء كلّهم ولا أقرباء النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) جميعاً ،بل هم الأئمّة من أهل البيت( عليهم السلام ) ،والدليل على هذا الأمر هو الرّوايات المتواترة التي وردت عن النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن طرق أهل البيت{[1552]} ،وتوجد أدلة أُخرى على ذلك في كتب أهل السنة .
فبناءً على ذلك فإنّ من يرى أنّ سهماً من الخمس يتعلق بكل أقرباء النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) يواجه هذا السؤال وهو: ما هذا ا لامتياز الذي أولاه الإِسلام لأقرباء النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقومه ،مع أنّ الإِسلام بعيد عن القبلية والقومية والعرقية ؟!
لكنّنا إذا خصصنا «بذي القربى » الأئمّة من أهل البيت( عليهم السلام ) مع ملاحظة أنّهم خلفاء النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقادة الحكومة الإِسلامية ،يتّضح السبب في إعطائهم هذا السهم من الخمس .
وبعبارة أُخرى: إنّ السهام الثّلاثة «سهم الله وسهم النّبي وسهم ذي القربى » ترجع جميعها إِلى قائد الحكومة الإِسلامية ،فيصرف منها في شؤون حياته البسيطة ،وينفق الباقي منها في ما يوجبه مقام القيادة ،أي أنّه يصرفها في الحقيقة في حاجات الناس والمجتمع !.
وحيث إن بعض المفسّرين من أهل السنة «كصاحب المنار » يرى أنّ ذا القربى هو جميع الأقارب ،فقد تخبط في الإِجابة على السؤال آنف الذكر وظلَّ في حيرة من أمره ،حتى جعل النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) أشبه بالملوك والسلاطين ،فأوجب عليه أن يجذب قومه وقبيلته إليه بالأموال التي عنده !
ومن الواضح بطلان هذا المنطق ،إذ يتنافي ومنطق الحكومة العالمية الإنسانية التي لا تعترف بالامتيازات القبليّة «وسيأتي إيضاح هذا الموضوع بصورة أكثر في البحوث المقبلة ،إن شاء اللّه » .
4ما هو المراد من اليتامى والمساكين وابن السبيل
إنّ المقصود باليتامى والمساكين وابن السبيلفي الآيةهم هذه الطوائف الثلاث من بني هاشم بالرغم من أنّ ظاهر الآية مطلق غير مقيد ،ودليلنا على التقييد هو الرّوايات الكثيرة الواردة عن أهل البيت( عليهم السلام ) ،ونعلم بأنّ كثيراً من الأحكام المطلقة في النصوص القرآنية قيدتها السنة النبوية وجعلت لها شروطاً وهذا الأمر غير منحصر بالآية محل البحث حتى تكون مثاراً للغرابة والتعجب .
أضف إِلى ذلك أنّ الزكاة محرمة على المحتاجين من بني هاشم ،فيلزم توفير مصدر آخر لهم ،وهذه قرينة على أنّ الآية تخصُّ المحتاجين من بني هاشم .
لذا نقرأ في حديث عن الإِمام الصادق( عليه السلام ) قوله:«إنّ الله تعالى لما حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس ،فالصدقة علينا حرام والخمس لنا حلال »{[1553]} .
5هل الغنائم منحصرة في غنائم الحرب
الموضوع المهم الآخر الذي يجب أن يبحث في الآية ،وهو في الحقيقة بمثابة العمدة فيها ،هو: هل لفظ الغنيمة المذكور فيها يطلق على الغنائم الحربية فحسب ،أو الموضوعُ أوسع من ذلك فيشمل كل زيادة في المال ؟!
ففي الصورة الأُولى فإنّ الآية تبيّن الخمس في غنائم الحرب فحسب ،وأمّا الخمس في سائر الموارد فينبغي معرفته من السنة والأخبار المتواترة وصحيح الرّوايات ،ولا مانع أن يشير القرآن إِلى قسم من أحكام الخمس بما يناسب مسائل الجهاد ،وأن تتناول السنة الشريفة بيان أقسامه الباقية .
فمثلا قد وردت الصلوات الخمس اليومية صريحة في القرآن ،كما أشير إِلى صلاة الطواف التي هي من الصلوات الواجبة أيضاً ،ولم ترد أيّة إشارة في القرآن إِلى صلاة الآيات المتفق على وجوبها من قبل الفرق الإِسلامية من أهل السنة والشيعة كافة ،ولا نجد قائلا يقول بأنّه لا يجب الإِتيان بصلاة الآيات لأنّها لم تذكر في القرآن أو أن القرآن أشار إِلى بعض الأغسال ولم يذكر غيرها ،فيجب ترك ما لم يشر إليه القرآن !فهذا المنطق لا يقره أي مسلم أبداً .
فبناءً على ذلك ،لا إشكال في أن يبيّن القرآن قسماً واحداً من أقسام الخمس فحسب ،ويكلُّ توضيح الباقي إِلى السنّة ،وفي الفقه الإِسلامي نظائر كثيرة لهذه المسألة .
إلاّ أنّه مع هذه الحال ينبغي أن ننظر إِلى معنى «الغنيمة » في اللغة والعرف !
فهل هي منحصرة في غنائم الحرب ؟!أم تشمل كل أنواع الأرباح والزيادة في المال ؟!
الذي يستفاد من كتب اللغة هو أنّ جذرها اللغوي لم يرد في ما يؤخذ من العدوّ في الحرب ،بل تشمل كل أنواع الزيادة المالية وغيرها .
ونشير هنا إِلى بعض كتب اللغة المشهورة التي يعتمد عليها علماء العربية وأُدباؤها على سبيل المثال والشاهد .إذ نقرأ في كتاب «لسان العرب » الجزء الثّاني عشر قوله «الغُنم الفوز بالشيء من غير مشقّة ،والغُنم والغنيمة ،والمغنم: الفيء ،وفي الحديث: الرهن لمن رهنه له غُنمه وعليه غرمه ،غنمه زيادته ونماؤه وفاضل قيمته ...وغنم الشيء غُنماً فاز به ... » .
ونقرأ في الجزء التاسع من «تاج العروس »: والغنم: الفوز بالشيء بلا مشقّة » .
وفي كتاب «القاموس » هذا المعنى نفسه للغنيمة أيضاً .
وجاء في كتاب «المفردات » للراغب أنّ أصل الغنيمة من الغَنَم ،ثمّ يقول: ثمّ استعملوه في كل مظفور به من العدى وغيره .
وحتى من ذكر أنّ معناها هو غنائم الحرب ،لم ينكر أنّ معناها في الأصل واسع وشامل لكل خير يقع بيد الإِنسان بدون عناء ومشقة .
وترد الغنيمة في العرف في مقابل الغرامة ،فكما أن معنى الغرامة واسع شامل لكل أنواع الغرامات ،فإنّ معنى الغنيمة واسع شامل لكل أنواع الغنائم .
وقد وردت هذه الكلمة في نهج البلاغة كثيراً بالمعنى المذكور نفسه ،إذ نقرأ في الخطبة ( 76 ) قوله( عليه السلام ): «اغتنم المُهل » .
وفي الخطبة ( 120 ) يقول( عليه السلام ): «من أخذها لِحق وغنم » .
ويقول في كتابه ( 53 ) إِلى مالك الأشتر: «ولا تكوننَّ عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم » .
ويقول في كتابه ( 45 ) إِلى عثمان بن حنيف: «فوالله ما كنزت من دنياكم تبراً ولا ادخرتُ من غنائمها وفراً » .
ويقول في بعض كلماته القصار برقم ( 331 ): «إنّ الله جعل الطاعة غنيمة الأكياس » .
ويقول في كتابه ( 41 ): «واغتنم من استقرضك في حال غناك » .
ونظير هذه التعابير والكلمات التي تدل على عدم انحصار معنى الغنيمة في غنائم الحرب كثير .
وأمّا ما قاله المفسّرون:
إنّ أكثر المفسّرين الذين تناولوا هذه الآية بالبحث صرّحوا بأنّ للغنيمة معنى واسعاً في اللغة يشمل غنائم الحرب وغيرها ممّا يحصل عليه الإِنسان من دون مشقّة ،وحتى الذين قالوا بأنّها تختص بغنائم الحرب «لفتوى فقهاء السنة » يعترفون بأنّ معناها في اللغة غير مقيد ،بل قيّدوه بدليل آخر .
«القرطبي » مفسّر أهل السنة المعروف ،كتب في ذيل الآية: «إنّ الغنيمة في اللغة هو الخير الذي يناله الفرد أو الجماعة بالسعي والجد »{[1554]} .
وينبغي أن يُعلم أن علماء أهل السنة متفقون على أنّ المراد من الغنيمة المذكورة في آية ( واعلموا إنّما غنمتم من شيء ) هي الأموال التي يحصل عليها الناس بالقوّة في الحرب ،وينبغي ملاحظة أنّ هذا القيد غير وارد في اللغة ،لكنّه ورد في العرف الشرعي .
ويقول «الفخر الرازي » في تفسيره: الغنم الفوز بالشيء .يقول بعد هذا: إنّ المعنى الشرعي للغنيمة في اعتقاد فقهاء أهل السنة هو غنائم الحرب{[1555]} .
كما أنّ «صاحب المنار » قد ذكرها بمعناها الواسع ولم يخصصها بغنائم الحرب ،بالرغم من اعتقاده بلزوم تقييد المعنى الواسع بالقيد الشرعي ،وتخصيص الآية بغنائم الحرب{[1556]} .
وقال «الآلوسي » في تفسيره روح المعاني: «إن الغنم في الأصل معناه كل ربح ومنفعة »{[1557]} .
وقال صاحب «مجمع البيان » في بداية كلامه: إنّ الغنيمة بمعنى غنائم الحرب ،إلاّ أنّه لما بين معنى الآية قال: «قال أصحابنا: إنّ الخمس واجب في كل فائدة تحصل للإِنسان من المكاسب وأرباح التجارات ،وفي الكنوز والمعادن والفوضى ،وغير ذلك مما هو مذكور في الكتب ،ويمكن أن يستدل على ذلك بهذه الآية ،فإنّ في عرف اللغة يطلق على جميع ذلك اسم الغنم والغنيمة »{[1558]} .
والعجيب أنّ بعض المغرضينوكأنّهم مأمورون ببث السّموم فيالأفكارحرّفوا ما ذكره صاحب مجمع البيان في كتاب ألفوه في شأن الخمس ،حيث ذكروا عبارته الأُولى في تفسير الغنيمة بأنّ المراد منه غنائم الحرب ،ولكنّهم لم يشيروا إِلى إيضاحاته حول عموميّة المعنى اللغوي ومعنى الآية الذي أورده أخيراً ،وقد كذبوا بما لفقوا على هذا المفسّر الإِسلامي الكبير ،وكأنّهم يتصورون أن كتاب مجمع البيان في أيديهم ولن يقرأه غيرهم .والأعجب من ذلك أنّهم لم يرتكبوا هذه الخيانة الفكرية فحسب ،بل تصرفوا في كتب أُخرى فأخذوا بما ينفعهم وتركوا ما يضرّهم .
وفي تفسير «الميزان » ورد بصراحةاستنادا إِلى علماء اللغةأنّ الغنيمة هي كل فائدة تستحصل عن طريق التجارة والكسب أو الحرب ،ومع أن سبب نزول الآية هو غنائم الحرب ،إلاّ أنّ ذلك لا يخصص مفهوم الآية وعموميتها{[1559]} .
ونستنتج ممّا ذكرناه آنفاً ما يلي:
إنّ آية الغنائم ذات معنى واسع يشمل كل فائدة وربح ،لأن معنى الغنيمة اللغوي عام ولا دليل على تخصيص الآية .
والشيء الوحيد الذي استند إليه جماعة من مفسّري أهل السنة ،هو أنّ الآيات السابقة والآيات اللاحقة لهذه الآية تتعلق بالجهاد ،وهذا الأمر يكون قرينة على أنّ آية ( ما غنمتم ) تتعلق بغنائم الحرب .
في حين أنّ أسباب النّزول وسياق الآيات لا يخصص عمومية الآية كما هو معلوم ،وبعبارة أجلى: لا مانع من كون مفهوم الآية ذا معنى عام ،وأن يكون سبب نزولها هو غنائم الحرب في الوقت ذاته ،فهي من مصاديق هذا المفهوم أو الحكم .
ونظير هذه الأحكام كثير في القرآن الكريم والسنة المطهرة ،بأن يكون حكمها عاماً ومصداقها جزيئاً «خاصّاً » .
فمثلا في الآية ( 7 ) من سورة الحشر نقرأ قوله تعالى: ( ما آتاكم الرّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) فهذه الآية ذات حكم كلي في وجوب الالتزام بأوامر النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) مع أن سبب نزولها هو الأموال التي تقع بأيدي المسلمين من دون حرب ،ويطلق على ذلك اصطلاحاً «الفيء » .
وكذلك نجد في الآية ( 233 ) من سورة البقرة حكماً كلياً في قوله: ( لا تكلّف نفس إلاّ وسعها ) مع أنّه يتعلق بالنساء المرضعات والأمر موجه لآباء الأطفال الرضّع أن يعطوا المرضعات أجورهن حسب وسعهم .وكون الآية واردة في هذا الأمر الخاص لا يمنع من عمومية القانون الذي جاءت به وهو عدم التكليف .
الخلاصة ،أنّ الآية محل البحث جاءت في سياق آيات الجهاد ،إلاّ أنّها تقول: «إنّ أية فائدة أو ربح تحصلون عليهومنه غنائم الحربفعليكم أن تعطوا خمسه » .
وخاصّة أنّ «ما » الموصولة «ومن شيء » لفظان عامان ليس فيهما قيد ولا شرط وهما يؤكّدان هذا الموضوع .
6ألا يعد تخصيص نصف الخمس لبني هاشم تبعيضاً بين المسلمين ؟!
يتصوّر بعضٌ أن هذه الضريبة الإِسلامية الشاملة لخمس الكثير من الأموال ،أي نسبة ( عشرين المائة ) حيث يعطى نصفها للسادة من أبناء الرسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،نوعٌ من التمييز العنصري أو ملاحظة العلاقات العائلية ،وأنّ هذا الأمر لا ينسجم وروح العدالة الاجتماعية للإِسلام وكونها شاملة لجميع العالم .
الجوابُ:
إنّ هؤلاء لم يدرسوا ظروف هذا الحكم وخصوصياته بدقة كافية ،فالإِجابة على هذا السؤال كامنة في تلك الخصوصيات .
وتوضيح ذلك: أوّلا: إن نصف الخمس المتعلق ببني هاشم إنّما يعطى للمحتاجين والفقراء منهم فحسب ،ولما يكفيهم لسنة واحدة لا أكثر ،فبناءً على ذلك تصرف هذه الأموال على المقعدين عن العمل والمرضى واليتامى من الصغار ،أو من يكون في ضيق وحرج .لسبب من الأسباب ولهذا فإنّ القادرين على العمل «بالفعل أو بالقوّة » والذين بإمكانهم أن يديروا حياتهم المعاشية ،ليس لهم بأي وجه أن يأخذوا شيئاً من الخمس .
أمّا ما يقوله بعض السواد بأنّ السّادة يمكنهم أخذ الخمس حتى ولو كان ميزاب بيتهم من ذهب فهو كلام ساذج ولا أساس له أبداً .
ثانياً: إنّ المحتاجين والضعفاء من سادات بني هاشم لا يحق لهم أخذ شيء من الزكاة ،فلهذا جاز لهم أن يأخذوا من هذا القسم من الخمس فحسب{[1560]} .
ثالثاً: إذا زاد القسم المختص لبني هاشم عن احتياجاتهم فإنّه يرجع إِلى بيت المال حتى يُنفق في مصارف أُخرى ،كما أنّه إذ نقص هذا السهم عن حاجتهم يدفع الباقي من بيت المال إليهم أو من سهم الزكاة .
وبملاحظة تلك النقاط الثلاث يتّضح لنا عدم وجود فرقفي الواقعمن النّاحية الماديّة بين السادة وغيرهم .
فالمحتاجون من غيرهم يمكنهم سدّ حاجتهم من الزّكاة ويحرمون من الخمس ،والمحتاجون من السادة يسدّون حاجتهم من الخمس ويحرمون من الزّكاة .
فيوجد في الحقيقة صندوقان ،هما صندوق الخمس وصندوق الزكاة ،فيحق لكل من القسمين الأخذ من أحد الصندوقين وبصورة التساوي فيما بينهما ،أي ما يحتاجه كلُّ لعام واحد ( فتأمل ) .
فالذين لم يُمعنوا النظر في هذه الشروط والخصوصيات تصوّروا من بيت المال أكثر من غيرهم أو أنّهم يتمتعون بامتياز خاص .
والسؤال الوحيد الذي يطرح نفسه هنا هو: إذا قلنا بعدم الفرق بين الاثنين آخر الأمر ،فما جدوى هذه الخطة إذاً ؟!
ويمكن أن ندرك جواب هذا التساؤل بملاحظة شيء واحد ،وهو أنّ بين الزكاة والخمس بوناً شاسعاً ،إذ أنّ الزكاة من ضرائب الأموال العامّة للمجتمع الإِسلامي فتصرف عموماً في هذه الجهة ،ولكن الخمس من ضرائب الحكومة الإِسلامية فيصرف على القيادة والحكومة الإِسلامية وتؤمن حاجتها منه .
فالتحريم على السادة من مدّ أيديهم للأموال العامّة ،«الزّكاة » كان في الحقيقة ليجتنبوا عن هذا المال باعتبارهم أقارب النّبي ،ولكيلا تكون ذريعة بيد الأعداء بأنّ النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) سلط أقرباءه على الأموال العامّة .
إلاّ أنّهمن جانب آخرينبغي سدّ حاجة الضعفاء والفقراء من السادة ،لذلك جعلت هذه الخطة لسدّ حاجتهم من ميزانية الحكومة الإِسلامية لا من الميزانية العامّة ففي الحقيقة أنّ الخمس ليس امتيازا لبني هاشم ،بل هو لإبعادهم من أجل الصالح العام ولئلا ينبعث سوء الظن بهم{[1561]}
والذي يسترعي النظر أنّ هذا الأمر أشارت إليه أحاديث الشيعة والسنة ،ففي حديث عن الإِمام الصادق نقرأ: «إنّ أُناساً من بني هاشم أتوا رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي ،وقالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعل الله عزّ وجلّ للعاملين عليها فنحن أولى به ،فقال رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ): يا بني عبد المطلب ( هاشم ) إن الصدقة لا تحل لي ولا لكم ،ولكنّي وعدت الشفاعة ،إِلى أن قال: «أتروني موثراً عليكم غيركم »{[1562]} .
ويدل هذا الحديث على أن بني هاشم كانوا يرون في ذلك الأمر حرماناً ،وقد وعدهم النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يشفع لهم .
ونقرأ حديثاً في صحيح مسلم الذي يعد من أهم مصادر الحديث عند أهل السنة ،خلاصته أنّ العباس وربيعة بن الحارث جاءا إِلى النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) وطلبا منه أن يأمر ابنيهماوكانا فتيين وهما عبد المطلب بن ربيعة والفضل بن العباسبجمع الزكاة ليتمكنا أن يأخذا سهماً منه شأنهما كشأن الآخرين ،ليؤمّنا لنفسيهما المال الكافي لزواجهما ،فامتنع النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأمر بسد حاجتهما عن طريق آخر وهو الخمس .
ويستفاد من هذا الحديث الذي يطول شرحه أنّ النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان مصرّاً على إبعاد أقاربه عن الحصول على الزكاة التي هي من أموال عامّة الناس .
من مجموع ما قلناه يتّضح أنّ الخمس ليس امتيازا للسّادة ،بل هو نوع من الحرمان لحفظ المصالح العامّة ...
7ما هو المراد من سهم الله ؟
إنّ ذكر سهم على أنّه سهم الله ،للتأكيد على أهمية مسألة الخمس وإثباتها ،ولتأكيد ولاية الرّسول والقيادة الإِسلامية وحاكمية النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) أيضاً .
أي كما أنّ الله جعل سهماً باسمه وهو أحق بالتصرف فيه ،فقد أعطى النّبي والإِمام حق الولاية والتصرف فيه كذلك ،إلاّ فإنّ سهم الله يُجعل تحت تصرف النّبي أو الإِمام يصرفه في المكان المناسب ،وليس لله حاجة في سهم معين .