ويتقرب لنا المعنى من خلال الآية التالية: ( إنّه ظنّ أن لن يحور ) .
فاعتقاده الفاسد وظنّه الباطل الدائر على نفي المعاد ،مصدر سروره وغروره وهو ما سيوصله إلى الشقاء الأبدي ،لأنّه ابتعد عن ساحة رضوانه سبحانه وتعالى بعد أن أوقعته شهواته في هاوية الاستهزاء بدعوة الأنبياء( عليهم السلام ) الربانية ،حتى أوصلته حالته المرضية تلك لأنّ يستمر في استهزائه وسخريته حتى في حال عودته إلى أهله ،كما أشارت الآية ( 31 ) من سورة المطففين: ( وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين ) ،وكما وردت الإشارة أيضاً على لسان علماء بني إسرائيل حينما خاطبوا قارون الثري المغرور الجاهل: ( لا تفرح إن اللّه لا يحب الفرحين ){[5885]} .
«لن يحور »: لن يرجع ،من( الحور )على زنة غوربمعنى: الرجوع ،التردد ،الذهاب ،والإياب ( سواء كان في العمل أو الفكر ) ،و«حار الماء » في الغدير: تردد فيه ،ويقال «المحور »: للعود الذي تجري عليه البكرة وتدور حوله والمحاورة و( الحوار ): المراودة في الكلام ،و( تحير في الأمر ): تردد فيه بين أن يقدم أو لا يقدم .
وقيل: أصل الكلمة ( حبشي ) .
وروي عن ابن عباس أنّه قال: ( ما كنت أدري ما معنى «حور » حتى سمعت أعرابية تقول لابنتها: «حوري » أي ارجعي ){[5886]} .
وربّما كان استعمال كلمة «الحواري » في نعت أصحاب عيسى( عليه السلام ) أو أي مقرّبين لأحد ،رُبّما كان لكثرة ترددهم عليه .
وقيل: حورت الشيء ،أيّ بيضته ،وسمّي أنصار عيسى( عليه السلام ) الحواريين لتبييضهم قلوب النّاس بالمواعظ الهادية ،و«الحور العين » إشارة إلى بياضهنّ ،أو لشفّافية بياض عيونهنّ .
وقيل أيضاً: إنّ سبب تسميتهنّ ب «الحور العين » يعود إلى تحير العين في جمالهنّ الخارق .
وعلى أيّة حال ،فيقصد من الكلمة في الآية المبحوثة ،الرجوع والمعاد ،لإيضاح أنّ عدم الإيمان بالمعاد يؤدي إلى الوقوع في اُتون الغفلة والغرور وارتكاب المعاصي .