التّفسير
خواء خطط الأعداء:
بعد أن تضمّنت الآيات السابقة استدلالاً على المعاد ،بطريق توجيه الإنسان إلى بداية خلقه ،تعود هذه الآيات إلى المعاد مرّة أخرى ،لتشير إلى بعض الأدلة الأخرى عليه فتقول: ( والسماء ذات الرجع ) ..( والأرض ذات الصدع ) .. ( إنّه لقول فصل ) ..( وما هو بالهزل ) .
«الرجع »: من ( الرجوع ) ،بمعنى العود ،ويطلق على الأمطار اسم ( الرجع ) لأنّها تبدأ من مياه الأرض والبحار ،ثمّ تعود إليها تارة أخرى عن طريق الغيوم ،أو لأنّ هطول المطر يكون في فواصل زمنية مختلفة .
ويسمّى الغدير رجعاً ..إمّا للمطر الذي فيه ،وإمّا لتراجع أمواجه ،وتردده في مكانه{[5921]} .
«الصدع »: هو الشق في الأجسام الصلبة .
وبملاحظة معنى «الرجع » في الآية السابقة ،نصل إلى أنّ مراد الآية بالصدع هو شق الأرض اليابسة بالأمطار ،وخروج النباتات منها .
فالقسمان يشيران إلى إحياء الأراضي الميتة بالأمطار ،وهذا ما تكرر ذكره في القرآن الكريم كدليل على إمكانية المعاد ،كما في قوله تعالى في الآية ( 11 ) من سورة «ق »: ( وأحيينا به بلدة ميتاً كذلك الخروج ) .
وهنا تتجسد بلاغة الأسلوب القرآني ،من خلال ربطه الدقيق فيما بين ما يقسم به وما يقسم له .
وبعبارة أخرى ،فالسّورة قد استندت إلى المقارنة فيما بين خلق الإنسان من نطفة وبين إحياء الأرض الميتة بالأمطار ،في استدلالها ،وجاء شبيه هذا الاستدلال في الآية ( 5 ) من سورة الحج: ( يا أيّها النّاس إنّ كنتم في ريب من البعث فإنّا خلقناكم من تراب ثمّ من نطفة ثمّ ..وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كلّ زوج بهيج ) .
وقيل أيضاً: إنّ الآية: ( والسماء ذات الرجع ) تشير إلى دوران الكواكب في مسارات معينة ،كدوران الأرض حول نفسها وحول الشمس ،وحركة الكواكب السيّارة للمنظومة الشمسية ،وكذلك شروق وغروب الشمس والقمر والنجوم ،حيث أنّ كلّ هذه الحركات تتضمّن الرجوع والعودة .
وهذا الرجوع علامة لرجوع النّاس العام إلى الحياة .
ولكن من خلال ما تقدم يظهر لنا أنّ التّفسير الأوّل أنسب وأقرب لقرائن السّورة ،حيث أنّه أشار إلى مسألة شقّ الأرض مع أدلة المعاد .